الغش في الامتحان … قراءة سوسيولوجية

الغش عموما هو كل سلوك يهدف الى تزييف الواقع لتحقيق كسب غير مشروع مادي او معنوي او إرضاء حاجة نفسية والغش المدرسي هو تزييف نتائج التقويم الذي هو من أهم عناصر المنهج.

وتعد ظاهرة الغش في المدارس وتحديدا بالامتحانات المدرسية من اخطر المشاكل التي يواجهها التعليم وأكثرها تأثيرا على الحياة المدرسية والاجتماعية ومن الناحية السوسيولوجية وعلى سبيل الفهم قبل التأويل يمكن نعت الظاهرة بالاجتماعية ليس فقط لأنها من فبيل ما ظهر وبرز بشدة ولكن لأنها أيضا ظاهرة متعددة الأبعاد والترابطات وتتصف بالتعقيد والكلية فضلا عن اتصالها الوثيق بكائن اجتماعي معين.

استنادا على التحديدات الأولى المذكورة سلفا يمكننا الخلوص إلى النتائج التالية:
ظاهرة الغش ليست سلوكا منحرفا يمس التلميذ فقط ويستثني غيره فنحن نعلم أن العملية التعليمية وحدة مترابطة لا يمكن فصلها أو تجزئتها وهي تعتمد أساسا على ثلاثة أركان هي المشكلة للمثلث الديداكتيكي المعروف ( المدرس والتلميذ والمنهج ) فكل قصور أو مشكل يطال مكونا من هذه المكونات لاينبغي تناوله بمعزل عن المكونات الأخرى فقبل أن نحاسب التلميذ أو نلومه على تعاطيه هذا السلوك المشين خصوصا إذا كنا نتفق أن الغش في الامتحانات تعبير صريح على تدني مستوى التحصيل الدراسي ينبغي أن نستحضر أن المدرس حجر الزاوية في العملية التعليمية وبقدر كفاءته تحقق التربية أهدافها وإن كان من أهداف التربية ترسيخ القيم الحسنة فإن سيادة منظومة أخلاق وقيم سلبية مؤشر يضع أكثر من علامة استفهام حول كفاءة المناهج التربوية بكل مكوناتها وفي مقدمتها المدرس. كما يرتبط الغش بخلل ما يمس أحد مكونات العملية التعليمية الأساسية وهو التقويم الذي يكرس بأساليبه الكلاسيكية ظاهرة الغش حين يركز على قياس المستويات المعرفية البسيطة المرتبطة بالحفظ والتذكر ويتجاهل مستويات الفهم والتحليل والمقارنة والتركيب ’
وخارج البيئة المدرسية ولكن غير بعيد عنها يمكن القول أن الغش في الامتحانات امتداد طبيعي للغش والقيم السالبة السائدة في المجتمع ويندرج ضمن ما يمكننا أن نسميه بأزمة القيم أو سيادة منظومة قيم غير أخلاقية كالغش والخيانة وانعدام المسؤولية مما يجعل من المدرسة مجرد وسيلة لتكريس هذه القيم وتجليها وربما التربية عليها وترسيخها عن قصد أو غيره في إطار وظيفتها السوسيولوجية التي يسميها السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو إعادة الانتاج.

[ووعيا منا بأن السوسيولوجيا ليست فقط علما للمشاكل أو الأزمات ولكنها أيضا سعي حثيث لحلها نرى وإن كنا نقر أنها محاولة مبدئية قد تكون متسرعة أن حل مشكلة الغش المدرسي لا ينبغي أن يتم تناوله ضمن سياق منغلق ومحدود يكرس من بعد المدرسة العمومية عن محيطها وانغلاقها على ذاتها وقصدنا من ذلك أن الحل يكمن أولا في فهم الظاهرة في شموليتها كظاهرة اجتماعية بمدخلات وأيضا بمخرجات اجتماعية وعلى هذا الأساس يجب تفعيل شعار تخليق الحياة في كل القطاعات والمجالات والقيام بإصلاح شمولي يتحمل فيه جميع الفاعلين الاجتماعيين مسؤوليتهم: الأسرة والإعلام و الدولة والمجتمع المدني…

ينبغي أن يتحلى الفاعلون التربويون بالشجاعة الكافية لتطوير نظام التقويم التربوي بحيث يرتكز على قواعد علمية حديثة لا مكان للغش فيها
كما ينبغي أن يعود المدرس اليوم إلى أداء وظيفته بإعطاء النموذج كما كان لأن القيم تدرس بالقيم فلا معنى أن ندعو إلى محاربة الغش بالمدرسة ونستمر في ممارسته في كل سلوكياتنا