العلاقة بين الثقافة و الحضارة
صفحة 1 من اصل 1
العلاقة بين الثقافة و الحضارة
صحيح أن الثقافة ليست هي الحضارة، ولكنها العنصر الهام في عملية البناء الحضاري، فبمقدار شمولية الثقافة وتوازنها واستقرارها وصحة متبنياتها يرتفع عمود الحضارة، و تترسخ أركانها في المجتمع.
وليس لقوة مهما بلغت أن تهزم أو تهدم حضارة قائمة على ثقافة صحيحة سليمة جامعة.
وكما أن الثقافة هي الركن الأساسي لبناء الحضارة فان البنيان الحضاري بعد أن يقوم يلقي بظلاله على الثقافة بحيث يمكن اعتبار الحضارة القائمة رافداً جديداً من روافد الثقافة المستقبلية، وتقوم علاقة نمو متبادل مضطرد بين الثقافة والحضارة.
وما يقال عن الحضارة والعلاقة المتبادلة بينها وبين الثقافة يقال عن المدنية التي هي وليدة الحضارة ومظهرها الواقعي العملي.
من المهم أن نشير هنا إلى أن هنالك من يسوي بين الثقافة والحضارة ويجعلهما مفهوماً واحداً، ومن أشهر هؤلاء –تايلور- في القرن الماضي.
وهنالك من يفرق بينهما إما على أساس أن الثقافة تشير إلى ما هو عقلي في حين تشير الحضارة إلى ما هو مادي أو بالعكس على أساس أن الثقافة تعني المظاهر المادية للحضارة كالتقنية والصناعة وأن الحضارة تعني المظاهر الأدبية والفلسفية والعقلية.
وعلى سبيل المثال فان المفكرين الأوروبيين في عصر النهضة ـ ولا سيما الألمان منهم ـ يقصرون الحضارة على الإنجازات التقنية والمعرفة العلمية الموضوعية التي يمكن أن تقاس قياساً كمياً، في حين يرون أن الثقافة تشير إلى المعرفة الذاتية غير الوصفية ذات الأحكام التقويمية كالديانات والاعتقادات والأخلاق والفلسفة والآداب والفنون. والحقيقة أن الثقافة والحضارة متداخلتان إلى ما دون التساوي ومتمايزتان دون تباعد. (7(
غزو ثقافي أم تفاعل ثقافات
:لا يمكن وضع سقف للتقدم الثقافي في عالم سريع التطور، دائم التغير والتبدل بل والتحول.
إن وضع سقف لثقافة أمة يعني وقف نمو الأمة، والإخلال بشروط بقائها ونمائها، وبالتالي بداية شوط السقوط والموت.
ولكي تبقى الثقافة في حالة نمو، لابد من انفتاح الثقافات المتنوعة المتباينة على بعضها، الانفتاح الذي يسمح بالفعل والانفعال من أجل الإطلال على آفاق جديدة من عوامل الثقافة ومكوناتها. لكن ذلك مشروط بالانفتاح الحر الذي يتيح التفاعل الطبيعي الحر دون قسر أو ضغط أو إلجاء ليتم في بوتقة التفاعل، فعل الثقافة الأصح والأكمل والأشمل بالثقافات الأقل صحة وكمالاً وشمولاً. أو لنقل لتجتذب كل ثقافة ما تحتاج لكمالها وشمولها من الثقافات المنفتحة عليها بشكل حر يشبه انتقال السوائل في الأواني المستطرقة، ولا أقول يشبه التفاعل بين السخونة والبرودة،بحيث يبرد الساخن ويسخن البارد حتى تتساوى درجة الحرارة في السائلين المتجاورين.
إن هذا التفاعل الحر ـ الذي ينطوي على الفعل والانفعال ـ قد يؤدي إلى الوصول إلى ثقافة عالمية باتت ملامحها شبه واضحة، يتوحد عليها البشر في يوم من الأيام مهما طال انتظاره.
من هنا دعونا نطل على ما يسمى بالغزو الثقافي الذي يقابله الانهزام الثقافي.
إن كل الثقافات الإقليمية والقومية والعرقية قابلة لأن تمارس الغزو الثقافي أو أن تقع فريسة له بسبب الانهزام الثقافي.
والانهزام الثقافي في هذه الحال إما داخلي ذاتي أو لغزو ثقافي خارجي.
أما عندما تكون الثقافة إنسانية عالمية فلا ينطبق على تحولاتها عنوان الانهزام الثقافي، كما لا يمكن أن يوصم أثرها في الثقافات القومية بالغزو الثقافي، بل إنه التفاعل الثقافي فعلاً وانفعالاً.
لا ينكر هنا أن القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية قد تساند ثقافة ما فتصمد لوقت أطول أو ربما تفرض على الشعوب بالقوة والقهر، لكن ذلك لن يدوم طويلاً، فكم من أمة مهزومة عسكرياً استطاعت أن تهزم مستعمريها ثقافياً، وما زالت ماثلة في الأذهان حالة التتار والمغول الذين اكتسحوا العالم الإسلامي عسكرياً ليجدوا أن الإسلام قد اكتسحهم ثقافياً، ولم يترك أمامهم أي مجال سوى تبني ثقافته واعتناق عقيدته وتمثل قيمه الإنسانية العليا، فاستسلموا لذلك دون مقاومة.
إن الشعوب التي يخفت في أعماقها ووجدانها صوت ثقافتها، وتنبهر أبصارها بوهج بريق ثقافة الغير، لابد أن تنهزم أمام الغير وأمام ثقافته، وانهزام الشعوب ليس بالضرورة انهزاما للثقافة التي كانت تحملها، فالثقافة القائمة على أسس سليمة وأركان صحيحة لا تنهزم لا في السلم ولا في الحرب، وإن كمنت إلى حين تحت ضغط عوامل خارجية طارئة ومؤقتة.
أما الثقافات الأخرى التي لا تملك مثل هذه الشروط والمقومات، فإنها سرعان ما تنهزم وتؤول إلى الزوال، مهما لمع بريقها في حين من الأحيان، ومهما روجت لها الأنظمة القوية المسيطرة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً،فالحق لابد أن يسود والباطل لابد أن يمحى من الوجود.
الخاتمــة:
إننا لو قصدنا بكلمة "ثقافة": "الحصول على مستوى معين من التأهيل العلمي"؛فسنجد شريحة عريضة من المجتمع يمكن أن توافق القصد.
أما لو قصدنا بالثقافة: "معرفة شيء عن كل شيء، وكل شيء عن شيء"؛ فإن الدائرة ستضيق كثيراً.
لكن لو أردنا بكلمة "ثقافة": "القدرة على التوفيق بين ما لدينا من تراث عظيم، وما نعاصره من حضارة مذهلة، مع الاستيعاب الكامل له ومعرفة كيفية التعامل معه، والإفادة منه،والتفاعل مع الواقع المعاش والبيئة المحيطة، بصورة متزنة، دون إفراط أو تفريط"؛ فإن الدائرة تضيق حتى تكاد تصبح نقطة!
(9(المصادر :
(1 ) المقدمـــة ،، المصدر (( موقعhttp://www.lahaonline.com ،د. سارة بنت عبد المحسن آل جلوي . + رأي خاص
(2 ) تعريف الثقافة لغة واصطلاحاً،، المصدر (( موقعwww.albayan.co.ae ((
( 3 ) عناصر الثقافة ،، المصدر (( كتاب علم الاجتماع التربوي ؛ تأليف الدكتور إبراهيم ناصر و الدكتورة دلال ملحس " الجامعةالأردنية "
(4 ) خصائص الثقافة ،، المصدر (( كتاب المدخل إلى علم الاجتماع؛ تأليف فهمي الغزوي + عبد العزيز خزاعله + معن عمر )) " الاردن – عمان "
( 5 ) الأنماط الثقافية ،، (( كتاب علم الاجتماع التربوي ؛ تأليف الدكتور إبراهيم ناصر و الدكتورة دلال ملحس " الجامعة الأردنية "
(6 ) كيف تتكون الثقافة ،،المصدر (( كتاب مقدمة في علم الاجتماع ؛ تأليف الدكتور إبراهيم عثمان ))
(7 ) العلاقة بين الثقافة و الحضارة ،، المصدر (( موقعwww.annabaa.org)) د . محمد جوادابراهيم .
(8 ) غزو ثقافي أم تفاعل ثقافات ،، المصدر (( كتاب أسس علمالاجتماع ؛ تأليف عودة محمد((
( 9 ) الخاتمة ،، المصدر (( رأي خاص((
www.boxbok.com
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى