السلوك المدني
صفحة 1 من اصل 1
السلوك المدني
السلوك المدني
تعيش المجتمعات اليوم تحت تأثير ظاهرة عالمية تسمى العولمة التي تسير في اتجاه توحيد الوعي وتوحيد القيم وتوحيد طرائق السلوك وأنماط الإنتاج والاستهلاك ، حاملة معها تحديا قويا لقيمنا ومبادئنا وهويتنا ، موظفة وسائل الاتصال ووسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية والتقدم التكنولوجي بشكل عام لخدمة ذلك ، مما حول العالم إلى قرية صغيرة تنتفي فيها الحواجز الجغرافية والتاريخية والسياسية والثقافية ، وبات مجتمعنا ـ كباقي المجتمعات ـ يخضع لتأثيرات معلوماتية وإعلامية واحدة تحمل قيما مادية وثقافية ومبادئ لا تتلاءم مع قيمنا ومبادئنا ، أفرط شبابنا في استهلاكها دون وعي أو تمييز ودون نقد أو تمحيص لنوعية المادة المستهلكة ، وتأثيرها على تربية وثقافة الأفراد ، تحت تأثير إغراء لا يقاوم من التدفق الصوري والإعلامي المبهر والمستثير والمستفز لحواس ومدارك الأفراد بما يلغي عقولهم ، وأصبح هؤلاء غير قادرين على التكيف ، مما نتج عنه ظهور العديد من المؤشرات السلبية التي كشفت عن تخبط المجتمع في أزمة قيم وأخلاق وسلوك ، أماطت اللثام عن ضعف نجاعة منظومة التربية والتكوين وعدم قدرتنا على التكيف وتردي الإنتاجية المترتبة عنها ، وفضحت بالتالي مسلسل التراجعات التي يسجلها دور المدرسة في التربية على القيم ..
في ظل هذه الوضعية غير المطمئنة بالمرة ، قفز إلى الساحة مفهوم
" السلوك المدني " وكثر الحديث حوله في الآونة الأخيرة كأساس لبناء مجتمع صحي وسليم قادر على كسب رهان التكيف مع متغيرات حاضره ومستقبله ، وكأسلوب للتصدي لكل السلوكات الشاذة التي غزته . ولا شك أن الاهتمام بالسلوك المدني يشكل لحظة تأمل ضرورية تروم معرفة ملامح ومظاهر التحول الاجتماعي الذي يعيشه مجتمعنا ، وبين عشية ضحاها صار يمثل تحديا وطنيا يجب رفعه ، ورهانا مجتمعيا يجب كسبه ، وهكذا اعتبر النهوض بالسلوك المدني مسؤولية مجتمعية متقاسمة تتولاها المنظومة التعليمية والأسرة ووسائل الإعلام والمجتمع المدني.
فما المقصود بالسلوك المدني ؟ وما دور المدرسة في تنميته وترسيخه ؟
المحور الأول
السلوك المدني : الدلالة :
على مستوى التركيب
مفهوم السلوك المدني مؤلف من لفظتين ، هما
السلوك و المدني :
فالسلوك هو كل فعل أو رد فعل نقوم به ، وقد يكون هذا الفعل واعيا أو لاواع ، اختياريا أو غير اختياري ، عاديا أو غير عاد ، مقبولا أو غير مقبول ، والسلوك بصفة عامة يعني التعاطي مع الآخر ، وهو بذلك يحيل على الوجه الفردي للممارسة الاجتماعية ، وأي سلوك إنساني تؤطره خلفية ثقافية قيمية معينة.
أما المدني ، فهو تعبير عصري ويعني التوافق والتكيف الإنساني لإنشاء علاقة مشتركة بين مجموع الأفراد والمؤسسات التي تتكون منها الجماعة، وهو بذلك يحيل على التمدن أي على مظهر من مظاهر تطور المجتمعات الإنسانية.
على مستوى المفهوم:
يكاد يجمع كل من تناول موضوع السلوك المدني على وجود تداخل بين مفهومه ومفاهيم أخرى تعتبر روافد رئيسية ، هذا التداخل يجعل من الصعب تقديم تعريف نهائي وأحادي الجانب.
فالسلوك المدني مرتبط بسلوكات الأفراد والجماعات ، ومرتبط بالتربية على المواطنة ، ومرتبط بالتربية على حقوق الإنسان ومرتبط بالقيم والأخلاق.
1
ــ علاقة السلوك المدني بسلوكات الأفراد والجماعات :
ذلك ما اتضح حين تحدثنا عن المفهوم تركيبيا ، حيث أن السلوك المدني يقوم على أساس التفاعل الاجتماعي ، والعلاقات باعتبارها خطوطا للارتباط الاجتماعي تكون أساسا لعملية التفاعل الاجتماعي ، ونمو الجماعة
. والتفاعل الاجتماعي هو التقاء سلوك شخص مع شخص آخر أو مجموعة أشخاص في عملية متبادلة تجعل كلا منهم معتمدا على سلوك الآخر ، ويرتبط أفراد المجتمع بعضهم ببعض ارتباطا عاطفيا واجتماعيا وثقافيا ومعنويا ، بحيث يرضى كل منهم عن سلوك الآخر في إطار سلوك عام مقبول من الجماعة .
2
ــ علاقة السلوك المدني بالتربية على المواطنة :
والمعروف أن من غايات التربية على المواطنة تكوين الإنسان المواطن الواعي الممارس لحقوقه وواجباته في إطار الجماعة التي ينتمي إليها ، وتنمية القدرات والطاقات التي تؤهله مستقبلا لحماية خصوصياته وهويته وممارسة حقوقه وأداء واجباته بكل وعي ومسؤولية ، حتى يتأهل للتواصل الإيجابي مع محيطه ، وهذا ما تهدف إليه التربية على السلوك المدني.
3
ــ علاقته بالتربية على حقوق الإنسان :
هذه التربية التي تهدف إلى ترسيخ ثقافة تدافع عن الإنسان وعن حقوقه في الوجود والتفكير والممارسة ، وإلى تكوين المواطن المتشبع بالقيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان والقادر على ممارستها في سلوكه اليومي من خلال تمسكه بحقوقه واحترامه لحقوق غيره ، الحريص على حقوق ومصالح المجتمع بقدر حرصه على حقوقه ودفاعه عنها
. وهذا جوهر السلوك المدني .
وفيما يخص علاقة السلوك المدني بالتربية على المواطنة والتربية على حقوق الإنسان ، نقرأ تعريفا تقدم به الدكتور محمد عزيز الوكيلي يقول فيه
: ( ليس السلوك المدني أمرا آخر غير ما يدل عليه تعبير " ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان " ولكن مع تحول هذا التعبير إلى ممارسة يومية تطال مختلف مجالات حياة الدولة بجميع مكوناتها ومؤسساتها وأبنائها الذاتيين والمعنويين ،ذلك أن السلوك المدني ما هو إلا تفعيل لجميع العناصر المكونة لمفهوم المواطنة وحقوق الإنسان والتي يمكن ذكر أهمها في عجالة كالتالي :
ـ الحق في الحياة والبقاء ، ولكن حياة كريمة ورغدة بقدر الإمكان ـ الحق في الاختلاف وفي إبداء الرأي ـ الحق في المراقبة والمحاسبة والمتابعة ـ الحق في الدفاع عن الوطن ومقدساته ـ الحق بالاستمتاع بكل ما ينعم به الوطن من خيرات مادية وعينية ومعنوية ـ الحق في معرفة هذه الحقوق وفي اكتساب الوعي الكافي بها.
تجسيد هذه الحقوق واستثمار جميع ممكناتها على صعيد الممارسة اليومية وتحويلها إلى قناعة راسخة
و متجذرة في سلوكنا اليومي ، فكرا وقولا وسلوكا هما عين ما يشار إليه بتعبير السلوك المدني.
4
ــ علاقة السلوك المدني بالقيم والأخلاق :
ذلك أن القيم تعتبر أحد المحددات الهامة للسلوك الاجتماعي ، وهي تعبير عن دوافع الإنسان وتمثل الأشياء التي توجه الرغبات والاتجاهات نحوها ، كما أنها اهتمام أو اختيار أو تفضيل أو حكم يصدره الإنسان على شيء ما مهتديا بمجموعة من المبادئ والمعايير التي وضعها المجتمع الذي يعيش فيه والذي يحدد المرغوب فيه والمرغوب عنه من السلوك ، ويتعلم الفرد القيم من خلال عملية التنشئة الاجتماعية
. والتربية على السلوك المدني هي تربية على مجموعة من القيم الني تؤطر هذا السلوك .
بعد استعراضنا لعلاقة مفهوم السلوك المدني بالمفاهيم السابقة ، يحق لنا أن نستنتج أن السلوك المدني يــتموقع بين القانون والأخلاق ، بمعنى أنه مؤطــر بإجراءات قانونية و منظومة أخلاقية ،و بين الأخلاق والقانون توجد منظومة غير مصرح بها إنها الأعراف والتقاليد والقيم الاجتماعية
.
وكخلاصة لهذا المحور يمكنني تقديم تعريف يروم الجمع بين كل ما ذكر ، كالتالي
إن السلوك المدني هو مختلف التعبيرات اللفظية والفسيولوجية والحركية الملحوظة أو الداخلية غير العنيفة وغير العدوانية التي تصدر من الفرد فتدل على أنه قد تطوع بكامل إرادته وبكل وعي من أجل التكيف مع متغيرات مجتمعه وبالتالي آثر التوافق مع غيره من أجل العيش المشترك ، محليا ، جهويا ، وطنيا ، عالميا ، ضمن قواعد ومؤسسات عادلة تضمن للجميع الكرامة المستحقة للإنسان مهما كانت اختلافاته أو خصوصياته ، وكذا على أساس ألا يتخذ من تلك الاختلافات أو الخصوصيات ، مهما كان الحال ، ذريعة للانقضاض على خصوصيات واختلافات أو حقوق وحريات غيره
مواضيع مماثلة
» الأيام التكوينية الثانية للمثقفين النظراء بالثانوية التأهيلية ابن خلدون
» النهوض بالسلوك المدني
» " المدرسة والسلوك المدني". رسالة ملكية
» النهوض بالسلوك المدني
» " المدرسة والسلوك المدني". رسالة ملكية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى