البنبة السردية _ افاق ورؤى
ثانوية ابن خلدون التأهيلية ببوزنيقة :: الدروس :: 2AB :: الشعب الأدبية :: مادة اللغة العربية :: مادة دراسة المؤلفات
صفحة 1 من اصل 1
البنبة السردية _ افاق ورؤى
ا
د. سعد العتابي
_
ـ 1 ـ
يعدّ مصطلح السرديّة (Narratology) مصطلحاً حديثاً نسبياً دخل دائرة الاستخدام في فرنسا تحت تأثير البنيوية، ليشير إلى الدراسة النظرية وتحليل السرد وبناء في اللغة ووسائل الإعلام( ).
ويعدّ تزفيتان تودوروف أول من اجترح هذا المصطلح عام 1959( )، بعد أن نحته من (narrative + logy) أي سرد + علم ليحصل على مصطلح علم السرد أو السردية ليحيل على أنه العلم الذي يُعنى بمظاهر الخطاب السردي أسلوباً وبناءً ودلالة( )، ويحيل السرد بوصفه المادة الأولية لهذا العلم على أنه: نظام لغوي يحمل حادثة أو سلسلة من الحوادث على سبيل التخييل، وهو فن تنظيم هذه المحمولات بوصفها شكلاً فنياً منتظماً بعلاقات وقواعد وأبنية داخلية تنظم عمل السرد( ).. وذلك انطلاقاً من جذره العربي الذي يعني التنظيم وصولاً إلى المفاهيم الحديثة.
وكانت الدراسات السردية الحديثة قد انبثقت من المنجز النقدي المتميز للشكلانيين الروس عندما حاولوا أن ينظموا النقد بوصفه علماً قائماً بذاته في الأدب وموضوعاً للبحث فيه( )، ويعنى هذا العلم ب )(الخصيصات النوعية للموضوعات الأدبية التي تميزها عن كل مادة)( ).
ولعلّ أهم إنجاز للشكلانيين الروس في الميدان السردي هو تفريقهم بين المتن الحكائي والمبنى الحكائي، فالمتن الحكائي يحيل على (مجموع الأحداث المتصلة فيما بينها والذي يقع إخبارنا بها خلال العمل.
إنَّ المتن الحكائي يمكن أن يعرض بطريقة علمية، حسب النظام الطبيعي بمعنى النظام الوقتي والسببي للأحداث)( )، أي أنها الأحداث الروائية كما وقعت في تسلسلها الزمني سواءً أكانت حقيقية أم متخيلة.
وأمّا المبنى الروائي (فإنه يتكون من نفس الأحداث بيد أنه يراعي نظام ظهورها في العمل)( ). أي أنه الصياغة الفنية وإعادة إنتاج المتن بشكل متفرد، لذا قد يبدو (كأن قوة إضافية قائمة بحد ذاتها تدخل العمل الأدبي بوصفها ضيفاً مرحباً به)( ).
ـ 2 ـ
أما بروب فقد من المعطيات النقدية للشكلانيين في دراسته الموسومة: (مورفولوجية الخرافة) ليقوم بدراسة الخرافة الروسية العجيبة بغية الوصول إلى النظم الداخلية التي تحكمها، محاولاً إيجاد بنية هيكلية للخرافة الروسية.
لقد تمكن بروب من تحديد وظائف تحكم متون الخرافة الروسية وعددُها (31)( )، وظيفة بشكل دائري، تبدأ من الاستقرار ثم الخلخلة ثم العودة إلى الاستقرار وإن هذا التسلسل متكرر في الخرافات بصورة مطلقة( ).
ويمكن تلخيص منهج بروب بأنه قام بدراسة وتحليل كل خرافة على حدة وعزلها عن بعضها ثم قارن هذه الخرافات وفق أجزائها ليتوصل إلى (أن الوظائف تتكرر في كل حكاية بشكل مدهش)( ).
لذا يعد بروب المؤسس الحقيقي للسرديات الحديثة التي تطورت على يد من أسماهم روبرت شولز بذرية بروب( ) (كريماس، بريمون، تودوروفهبارت، جينيت). وعلى يد هؤلاء اغتنى البحث السردي وأدى إلى تطوير النظرية وتوسيع الموضوعات التي تتعامل معها النظرية( ).
فقد عنيت بالرواية والفلم وكذلك بالخطابات النظرية والعلمية والإيديولوجية فضلاً عن الخرافة والأسطورة الشعبية.
ـ 3 ـ
انتهجت النظرية السردية بوصفها مقاربة( ) منهجية لتحليل الخطابات( ) السردية واكتشاف نظمها الداخلية والقواعد التي تحكمها إلى منهجين( ) رئيسيين هما: ـ
1 ـ منهج السردية الدلالية، الذي اهتم بالمظهر الدلالي( )، والعلاقات الغيابية في النص موجهاً عنايته إلى المنطق الذي يحكم الأفعال دونما الاهتمام بالوسيلة الحاملة لها بل بالمضامين السردية، والعمل على إبراز بنيتها العميقة ويمثل هذا التيار فضلاً عن بروب، كريماس وبريمون.
2 ـ منهج السرديّة اللسانية: الذي يبحث في العلاقات الحضورية التي هي (علاقات تشكل وبناء)( )، أي بالمظهر التركيبي للخطاب من حيث هو طريقة نوعية لتحليل السرد بمظاهره اللغوية وما ينطوي على ذلك من علاقات بين الراوي والمروي والمروي له ويهتم أيضاً بمظاهر الراوي وأساليب سرده ومواقعه ووسائل اتصاله بالمروي له.
ولا تعدم النظرية السردية من محاولات الاستفادة من المنجز النقدي للتيارين السابقين( ) فقد حاول جاتمان وبرنس العمل على دراسة الخطاب بوصفه وحدة كلية تقوم على تحليل مظاهره الكلية.
لقد بحث برنس مفهوم التلقي الداخلي من خلال اهتمامه بمفهوم المروي له بدراسته التي تنهض على جعل الإرسالية اللغوية للخطاب السردي متكاملة من مرسل ورسالة ومرسل إليه.
في حين اتجه جاتمان لدراسة البنية السردية بوصفها وسيلة لإنتاج الأفعال السردية، وبحث في تلك الأفعال بوصفها مكونات متداخلة من الوقائع والشخصيات تنطوي على معنى وَعدَّ البُنى السردية نوعاً من وسائل التعبير، في حين عدّ المروي محتوى ذلك التعبير وبحثهما بوصفهما مظهرين متلازمين من المظاهر التي لا يكون خطاب السرد بدونهما، ويمكن أن تكون هذه الخطابات لغوية أو تعبيرية أو سينمائية، وهكذا استقامت النظرية السردية بوصفها (فرعاً معرفياً يحلل مكونات وميكانزم المحكي)( )، أي تحليل البنى الداخلية للخطاب السردي والتوصل إلى آليات اشتغالها في الخطاب، وهذا يعني تقويض المناهج الخارجية التي تقوم على الانطباعات وإسقاط ما حول النص على النص.
ـ 4 ـ
إنَّ العناية بتعريف البنية السردية واكتشاف مكوناتها وتسليط الضوء على العلاقات الداخلية التي تنظم بنيتها( ) أفضى إلى بروز اتجاهات أساسية أربعة لتعريفها: ـ
1 ـ الاتجاه الأول يذهب إلى الاعتقاد بأن البنية السردية هي الحبكة فحسب، ومن هنا انطلق أدون مويير في كتابة (بناء الرواية) عندما عرّف الحبكة بأنها (سلسلة من الأحداث في قصة ما والقاعدة التي ترتبط بعضها ببعض)( ) وأن ما يميز حبكة عن أخرى هي (هو ذلك النظام الذي تسلكه الأحداث)( ) ولا يختلف ما يعرف الحبكة بأنها (الرواية في وجهها المصفى وأنها تتطلب الغموض والأسرار)( )، فهي نظام بناء أحداث الرواية.
2 ـ أما الاتجاه الثاني فيرى: أن البنية السردية أنها تكمن في إعادة تتابع ما حدث زمنياً وتحديد دور الراوي في مثل هذا التتابع الزمني ومتغيراته حيث يجري عرض السياقات الزمنية للخطاب السردي.
وهي الدراسات التي انطلقت من الشكلانيين الروس عندما ميزوا بين المتن والمبنى الحكائي، فإذا كان المتن هو مجموعة الحوافز السائدة، فإن البنية السردية هي إعادة إنتاج هذه الحوافز بشكلها الفني المنظم( )، ويمكن هنا الإشارة إلى الدراسة الرائدة لبرمي لوبوك «صنعة الرواية»( )، فالبنية السردية هنا تحيل على المبنى المترشح من وعي الراوي( ).
3 ـ وأما الاتجاه الثالث فإنه يوسع مفهوم البنية السردية ليشمل الرواية والمسرح والسينما وكل أشكال التعبير التي تعدّ متماثلة بشكل أساسي في متونها إلا أنها تختلف من حيث أسلوب المتن، فهي تعالج الخطاب السردي بوصفه تقنيات موظفة في السرد لنقل تلك العناصر إلى القارئ ويمكن الإشارة هنا إلى جهد (جاتمان) في (كتابه القصة والخطابة: للبنية السردية في الفلم والرواية)( ).
فضلاً عن جهد كريماس الذي انطلق من مفهوم واسع للبنية السردية (فقد توصل إلى اكتشاف بنى سردية في كل مكان تقريباً حتى في الخطابات العلمية والأيديولوجية)( ).
4 ـ والاتجاه الرابع: يقتصر على معالجة العناصر المتفردة في السرد مثل الراوي والزمن والمروي له، ونحيل هنا على خطاب السرد (جيرارجنيت)، و (الشعرية) لتودوروف، و (مقدمة للتحليل البنيوي للسرد) لرولان بارت فضلاً عن دراسة جاتمان ولنفتت.
وهنالك اتجاه آخر أفاد من دراسة باختين حول الإبداع الفني لدستوفسكي ليفرق بين البنية السردية المتعددة الأصوات والبنية السردية ذات الصوت الواحد( ).
إنَّ هذه الاتجاهات لا تتناقض بل تتكامل، إلا أن فيها من يحاول أن يوسع المصطلح ليشمل النصوص الأدبية والفلسفية لتشكل كلاً منسجماً ومتماسكاً يُعيد إنتاج الواقع على شكل خطابات فلسفية وآيديولوجية وروائية وعلمية على النحو الذي ذكره كريماس آنفاً.
يرى الباحث ضرورة التمييز بين هذه الاتجاهات ونظراتها في السردية بشكل دقيق فلكل خطاب تقنياته الخاصة به التي تستدعي بنى سردية خاصة لأن التقنية اللغوية للخطابات الفلسفية تختلف عنها في الخطاب الروائي وذلك لاختلاف المعطيين أسلوباً وبناءً ودلالة، لذا فمن الضروري تحديد تعريف دقيق للبنية السردية الروائية ينبثق من معطيات العالم الروائي المتخيل وتنهض على المكونات الروائية.
ولما كانت مكونات الرواية هي الراوي والمروي والمروي له، وتأسيساً على التعريفات المُشار إليها آنفاً للبنية والسرد، أمكن القول أن البنية السردية هي: رسالة لغوية تحمل عالماً متخيلاً من الحوادث التي تشكل مبنى روائياً يتجاذبه طرفا الإرسالية اللغوية أي الراوي والمروي له لتنتظم بمنظومة متكاملة من العلاقات والوشائج الداخلية التي تنظم آلية اشتغال المكونات الروائية الثلاثة مع بعضها ابتداءً من الرواة وأساليب روايتهم وإجابتهم عن سؤال المروي له: ماذا حدث؟ كيف حدث؟ مروراً بمفاصل المروي أي الحدث وكيفية بنائه والشخصية وعلاقاتها الروائية والزمان وتقنياته والمكان وأنواعه وانتهاءً بتعالقات الراوي والمروي له.
د. سعد العتابي
_
ـ 1 ـ
يعدّ مصطلح السرديّة (Narratology) مصطلحاً حديثاً نسبياً دخل دائرة الاستخدام في فرنسا تحت تأثير البنيوية، ليشير إلى الدراسة النظرية وتحليل السرد وبناء في اللغة ووسائل الإعلام( ).
ويعدّ تزفيتان تودوروف أول من اجترح هذا المصطلح عام 1959( )، بعد أن نحته من (narrative + logy) أي سرد + علم ليحصل على مصطلح علم السرد أو السردية ليحيل على أنه العلم الذي يُعنى بمظاهر الخطاب السردي أسلوباً وبناءً ودلالة( )، ويحيل السرد بوصفه المادة الأولية لهذا العلم على أنه: نظام لغوي يحمل حادثة أو سلسلة من الحوادث على سبيل التخييل، وهو فن تنظيم هذه المحمولات بوصفها شكلاً فنياً منتظماً بعلاقات وقواعد وأبنية داخلية تنظم عمل السرد( ).. وذلك انطلاقاً من جذره العربي الذي يعني التنظيم وصولاً إلى المفاهيم الحديثة.
وكانت الدراسات السردية الحديثة قد انبثقت من المنجز النقدي المتميز للشكلانيين الروس عندما حاولوا أن ينظموا النقد بوصفه علماً قائماً بذاته في الأدب وموضوعاً للبحث فيه( )، ويعنى هذا العلم ب )(الخصيصات النوعية للموضوعات الأدبية التي تميزها عن كل مادة)( ).
ولعلّ أهم إنجاز للشكلانيين الروس في الميدان السردي هو تفريقهم بين المتن الحكائي والمبنى الحكائي، فالمتن الحكائي يحيل على (مجموع الأحداث المتصلة فيما بينها والذي يقع إخبارنا بها خلال العمل.
إنَّ المتن الحكائي يمكن أن يعرض بطريقة علمية، حسب النظام الطبيعي بمعنى النظام الوقتي والسببي للأحداث)( )، أي أنها الأحداث الروائية كما وقعت في تسلسلها الزمني سواءً أكانت حقيقية أم متخيلة.
وأمّا المبنى الروائي (فإنه يتكون من نفس الأحداث بيد أنه يراعي نظام ظهورها في العمل)( ). أي أنه الصياغة الفنية وإعادة إنتاج المتن بشكل متفرد، لذا قد يبدو (كأن قوة إضافية قائمة بحد ذاتها تدخل العمل الأدبي بوصفها ضيفاً مرحباً به)( ).
ـ 2 ـ
أما بروب فقد من المعطيات النقدية للشكلانيين في دراسته الموسومة: (مورفولوجية الخرافة) ليقوم بدراسة الخرافة الروسية العجيبة بغية الوصول إلى النظم الداخلية التي تحكمها، محاولاً إيجاد بنية هيكلية للخرافة الروسية.
لقد تمكن بروب من تحديد وظائف تحكم متون الخرافة الروسية وعددُها (31)( )، وظيفة بشكل دائري، تبدأ من الاستقرار ثم الخلخلة ثم العودة إلى الاستقرار وإن هذا التسلسل متكرر في الخرافات بصورة مطلقة( ).
ويمكن تلخيص منهج بروب بأنه قام بدراسة وتحليل كل خرافة على حدة وعزلها عن بعضها ثم قارن هذه الخرافات وفق أجزائها ليتوصل إلى (أن الوظائف تتكرر في كل حكاية بشكل مدهش)( ).
لذا يعد بروب المؤسس الحقيقي للسرديات الحديثة التي تطورت على يد من أسماهم روبرت شولز بذرية بروب( ) (كريماس، بريمون، تودوروفهبارت، جينيت). وعلى يد هؤلاء اغتنى البحث السردي وأدى إلى تطوير النظرية وتوسيع الموضوعات التي تتعامل معها النظرية( ).
فقد عنيت بالرواية والفلم وكذلك بالخطابات النظرية والعلمية والإيديولوجية فضلاً عن الخرافة والأسطورة الشعبية.
ـ 3 ـ
انتهجت النظرية السردية بوصفها مقاربة( ) منهجية لتحليل الخطابات( ) السردية واكتشاف نظمها الداخلية والقواعد التي تحكمها إلى منهجين( ) رئيسيين هما: ـ
1 ـ منهج السردية الدلالية، الذي اهتم بالمظهر الدلالي( )، والعلاقات الغيابية في النص موجهاً عنايته إلى المنطق الذي يحكم الأفعال دونما الاهتمام بالوسيلة الحاملة لها بل بالمضامين السردية، والعمل على إبراز بنيتها العميقة ويمثل هذا التيار فضلاً عن بروب، كريماس وبريمون.
2 ـ منهج السرديّة اللسانية: الذي يبحث في العلاقات الحضورية التي هي (علاقات تشكل وبناء)( )، أي بالمظهر التركيبي للخطاب من حيث هو طريقة نوعية لتحليل السرد بمظاهره اللغوية وما ينطوي على ذلك من علاقات بين الراوي والمروي والمروي له ويهتم أيضاً بمظاهر الراوي وأساليب سرده ومواقعه ووسائل اتصاله بالمروي له.
ولا تعدم النظرية السردية من محاولات الاستفادة من المنجز النقدي للتيارين السابقين( ) فقد حاول جاتمان وبرنس العمل على دراسة الخطاب بوصفه وحدة كلية تقوم على تحليل مظاهره الكلية.
لقد بحث برنس مفهوم التلقي الداخلي من خلال اهتمامه بمفهوم المروي له بدراسته التي تنهض على جعل الإرسالية اللغوية للخطاب السردي متكاملة من مرسل ورسالة ومرسل إليه.
في حين اتجه جاتمان لدراسة البنية السردية بوصفها وسيلة لإنتاج الأفعال السردية، وبحث في تلك الأفعال بوصفها مكونات متداخلة من الوقائع والشخصيات تنطوي على معنى وَعدَّ البُنى السردية نوعاً من وسائل التعبير، في حين عدّ المروي محتوى ذلك التعبير وبحثهما بوصفهما مظهرين متلازمين من المظاهر التي لا يكون خطاب السرد بدونهما، ويمكن أن تكون هذه الخطابات لغوية أو تعبيرية أو سينمائية، وهكذا استقامت النظرية السردية بوصفها (فرعاً معرفياً يحلل مكونات وميكانزم المحكي)( )، أي تحليل البنى الداخلية للخطاب السردي والتوصل إلى آليات اشتغالها في الخطاب، وهذا يعني تقويض المناهج الخارجية التي تقوم على الانطباعات وإسقاط ما حول النص على النص.
ـ 4 ـ
إنَّ العناية بتعريف البنية السردية واكتشاف مكوناتها وتسليط الضوء على العلاقات الداخلية التي تنظم بنيتها( ) أفضى إلى بروز اتجاهات أساسية أربعة لتعريفها: ـ
1 ـ الاتجاه الأول يذهب إلى الاعتقاد بأن البنية السردية هي الحبكة فحسب، ومن هنا انطلق أدون مويير في كتابة (بناء الرواية) عندما عرّف الحبكة بأنها (سلسلة من الأحداث في قصة ما والقاعدة التي ترتبط بعضها ببعض)( ) وأن ما يميز حبكة عن أخرى هي (هو ذلك النظام الذي تسلكه الأحداث)( ) ولا يختلف ما يعرف الحبكة بأنها (الرواية في وجهها المصفى وأنها تتطلب الغموض والأسرار)( )، فهي نظام بناء أحداث الرواية.
2 ـ أما الاتجاه الثاني فيرى: أن البنية السردية أنها تكمن في إعادة تتابع ما حدث زمنياً وتحديد دور الراوي في مثل هذا التتابع الزمني ومتغيراته حيث يجري عرض السياقات الزمنية للخطاب السردي.
وهي الدراسات التي انطلقت من الشكلانيين الروس عندما ميزوا بين المتن والمبنى الحكائي، فإذا كان المتن هو مجموعة الحوافز السائدة، فإن البنية السردية هي إعادة إنتاج هذه الحوافز بشكلها الفني المنظم( )، ويمكن هنا الإشارة إلى الدراسة الرائدة لبرمي لوبوك «صنعة الرواية»( )، فالبنية السردية هنا تحيل على المبنى المترشح من وعي الراوي( ).
3 ـ وأما الاتجاه الثالث فإنه يوسع مفهوم البنية السردية ليشمل الرواية والمسرح والسينما وكل أشكال التعبير التي تعدّ متماثلة بشكل أساسي في متونها إلا أنها تختلف من حيث أسلوب المتن، فهي تعالج الخطاب السردي بوصفه تقنيات موظفة في السرد لنقل تلك العناصر إلى القارئ ويمكن الإشارة هنا إلى جهد (جاتمان) في (كتابه القصة والخطابة: للبنية السردية في الفلم والرواية)( ).
فضلاً عن جهد كريماس الذي انطلق من مفهوم واسع للبنية السردية (فقد توصل إلى اكتشاف بنى سردية في كل مكان تقريباً حتى في الخطابات العلمية والأيديولوجية)( ).
4 ـ والاتجاه الرابع: يقتصر على معالجة العناصر المتفردة في السرد مثل الراوي والزمن والمروي له، ونحيل هنا على خطاب السرد (جيرارجنيت)، و (الشعرية) لتودوروف، و (مقدمة للتحليل البنيوي للسرد) لرولان بارت فضلاً عن دراسة جاتمان ولنفتت.
وهنالك اتجاه آخر أفاد من دراسة باختين حول الإبداع الفني لدستوفسكي ليفرق بين البنية السردية المتعددة الأصوات والبنية السردية ذات الصوت الواحد( ).
إنَّ هذه الاتجاهات لا تتناقض بل تتكامل، إلا أن فيها من يحاول أن يوسع المصطلح ليشمل النصوص الأدبية والفلسفية لتشكل كلاً منسجماً ومتماسكاً يُعيد إنتاج الواقع على شكل خطابات فلسفية وآيديولوجية وروائية وعلمية على النحو الذي ذكره كريماس آنفاً.
يرى الباحث ضرورة التمييز بين هذه الاتجاهات ونظراتها في السردية بشكل دقيق فلكل خطاب تقنياته الخاصة به التي تستدعي بنى سردية خاصة لأن التقنية اللغوية للخطابات الفلسفية تختلف عنها في الخطاب الروائي وذلك لاختلاف المعطيين أسلوباً وبناءً ودلالة، لذا فمن الضروري تحديد تعريف دقيق للبنية السردية الروائية ينبثق من معطيات العالم الروائي المتخيل وتنهض على المكونات الروائية.
ولما كانت مكونات الرواية هي الراوي والمروي والمروي له، وتأسيساً على التعريفات المُشار إليها آنفاً للبنية والسرد، أمكن القول أن البنية السردية هي: رسالة لغوية تحمل عالماً متخيلاً من الحوادث التي تشكل مبنى روائياً يتجاذبه طرفا الإرسالية اللغوية أي الراوي والمروي له لتنتظم بمنظومة متكاملة من العلاقات والوشائج الداخلية التي تنظم آلية اشتغال المكونات الروائية الثلاثة مع بعضها ابتداءً من الرواة وأساليب روايتهم وإجابتهم عن سؤال المروي له: ماذا حدث؟ كيف حدث؟ مروراً بمفاصل المروي أي الحدث وكيفية بنائه والشخصية وعلاقاتها الروائية والزمان وتقنياته والمكان وأنواعه وانتهاءً بتعالقات الراوي والمروي له.
ثانوية ابن خلدون التأهيلية ببوزنيقة :: الدروس :: 2AB :: الشعب الأدبية :: مادة اللغة العربية :: مادة دراسة المؤلفات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى