مفهوم الواجب
صفحة 1 من اصل 1
مفهوم الواجب
الواجــــب
يعتبر الواجب من الأفعال الأخلاقية التي تتخذ صبغة الإلزام للفرد الذي يقوم بها، من هذه الزاوية الإلزام لا يصبح ضرورة إن خضع الفعل لمبدإ الاختيار، و قد يصبح أمرا ملزما عندما يتعلق الأمر بالنداء الأخلاقي الذي يدعو إليه العقل، أو بالضغوطات النفسية و الاجتماعية التي تحدد نوع الواجبات و طرق تحقيقها. من هنا تطفو إلى السطح مفاهيم متشابكة تعبر بالأساس عن تنوع الحقول المعرفية التي تعالج هذا المفهوم: الضمير الأخلاقي، المسؤولية الفردية، الوعي، الإلزام، الإكراه...
يمكن توزيع الحقول التي تعالج هذا الإشكال إلى ثلاثة:
- تاريخ الفلسفة الذي نظر إلى الواجب في عهد اليونان بعلاقة مع الفضيلة و الخير الأسمى. و في الأنوار بعلاقة مع الحق و العدالة و القانون. هنا نقارب الواجب من زاوية العقل، الوعي و الإرادة..
- المنظور النفسي و خصوصا مدرسة التحليل النفسي، حيث تقارب الواجبات كأفعال نفسية.فتعتمد للتحليل مفاهيم الوعي، اللاوعي، السلوك، الأنا الأعلى، الثواب العقاب...
- المنظور السوسيو-أنثربولوجي، الذي يعطي الأولوية للمجتمع و الثقافة، للعادات و التقاليد، للقيم و الأعراف و كذا للتنشئة الاجتماعية...
إذن يمكن التطرق لهذا الدرس من خلال ثلاثة إشكالات أساسية:
- هل الواجب فعل يصدر عن إرادة حرة أم هو فعل تحكمه الضرورة و الإكراه؟
- ما علاقة مفهوم الواجب بالوعي الأخلاقي؟
- هل الأخلاق التي يحكمها مبدأ الواجب تقتصر على ضمير الفرد أم يؤطرها ضمير المجتمع؟
I. الواجب و الإكراه
يعبر الواجب في تصور كانط عن قانون العقل، فيتجسد في أوامر قطعية، لا تستجيب لا لميل، و لا لغاية، أو لوضعية خاصة. و إنما هو قانون كوني و شمولي مرجعه العقل وغايته احترام القانون الأخلاقي. لذلك يتخذ الواجب في تصور كانط طابع الإلزام و الإكراه، مادام يعبر عن الإرادة الخيرة. و هكذا نفهم لماذا اعتبر كانط الصداقة واجب الحب والاحترام، و الحقيقة واجب لابد من قوله بغض النظر عن الظروف و عن السياقات..إلخ.وقد عبَّر كانط عن هذا الواجب غير المشروط بقوله: "إنَّ على المرء أن يفعل للآخرين ما يريد أن يفعلوه له، أي أن يؤدِّي الفعل الذي يتمنَّى أن يصير مبدأ عاما".
ينتقد جون ماري غويو التصور الكانطي لمفهوم الواجب باعتباره أوامر قطعية تفرض نفسها على الذات انطلاقا من مرجعية العقل، و يرى بالمقابل أن المرجعية الأساسية لفهم الواجب هي الحياة و قوانينها. إن غايات الفعل التي يحددها قانون الحياة، هي نفسها تحدد الواجبات، فالواجبات تنبثق من القدرات، فقدرة العمل تجعل هذا الأخير واجبا، و مادام أن الإنسان المتحضر قدراته كثيرة، فواجباته أيضا كثيرة، و هو الشيء الذي لا يوجد لدى الكائنات المنحطة.
II. الوعي الأخلاقي
خلافا لما جاء به إيمانويل كانط يرى جون جاك روسو أن الوعي الأخلاقي معطى فطري أشبه بالغريزة يحثنا على فعل الخير، فهو لا يعبر عن إرادة للفعل، و إنما خاصية تميزنا عن الكائنات المنحطة، تمكننا من تقدير الأشياء و الأفعال، و تقودنا إلى التمييز بين الخير و الشر، وتولد فينا أحاسيس فطرية كحب الذات، و الخوف من الألم، و الرغبة في العيش السعيد. و يتكون الوعي أيضا بعلاقة مع الأشياء من خلال التنشئة الاجتماعية، التي بدورها ترسخ القيم و تشكل هذا الوعي.
هكذا يتبين لنا أن كلا من جون جاك روسو و كانط يختلفان في مصدر الوعي، إلا أنهما يتفقان حول غاية الواجب، التي هي تحقيق الخير باعتباره الغاية الأسمى.
يرى نيتشه أن الوعي الأخلاقي الذي يتحدث عنه جل الفلاسفة كقيم تدعوا إلى أفعال خيرة، ما هو إلا نتاج شروط تاريخية و نفسية ساهمت في تكوين هذا الوعي، فالخير و الشر، الضمير و الواجب.. تصورات ارتبطت بشروط مأساوية روتها دماء كثيرة، جسدها أساسا صراع الأسياد و العبيد، فعلاقة الدائن مثلا بالمدين ارتبطت بممارسة العنف، و بحق الدائن بجسد المدين..
التصور المثالي: أن أصل الوعي الأخلاقي هي أفكار نستمدها إما من العقل أو من أفكار فطرية، نتمكن بفعلها من تمييز الأشياء و تقديرها. التصور السوسيولوجي: يرى إيميل دوركايم أن أصل الوعي هو التنشئة الاجتماعية التي تبث في كل فرد صوت الواجب، و الذي لا يعبر إلا عن صوت المجتمع.
التصور النفسي: مثلا يعتبر التحليل النفسي أن أصل الوعي الأخلاقي و أصل الواجب هو الأنا الأعلى الذي تكون نتيجة القيم الأخلاقية المستمدة من المجتمع عبر آليتي الثواب و العقاب.
التصور التاريخي: مثلا أصل الوعي الأخلاقي في تصور الماركسية هو الصراع الطبقي حول امتلاك وسائل الإنتاج الذي ينتهي بإيديولوجيات مزيفة.
III. الواجب و المجتمع:
في إطار تأسيس إيميل دوركايم لموضوع علم الاجتماع، و كإجابة عن سؤال الأخلاق والواجب، يميز بين نوعين من الضمير. الضمير الخاص بالأفراد و يسمى الوعي الفردي، و الضمير الخاص بالمجتمع و يسمى الوعي الجمعي، و من هذا المنطلق يرى أن حقيقة الصوت الذي يتردد في مسامع الأفراد كصوت للواجب، ما هو إلا صوت المجتمع (الضمير الجمعي) الذي بثه فينا عبر التنشئة الاجتماعية (Socialisation).
يميز برغسون بين نوعين من الأخلاق، أخلاق تخضع لضغط المجتمع و لعاداته. يتم الاستسلام لها و هي أخلاق من طبيعتها أنها مغلقة. و أخلاق تنفتح على أفق الإنسانية، لا تخضع لواجبات المجتمع، بل لواجب الإنسانية جمعاء. إنها واجبات كونية غايتها الأسمى الإنسانية، من هذا المنطلق نجد واجبات اتجاه المجتمع و أخرى اتجاه الإنسانية.
خلاصة:
تأسيسا على ما سبق يتبين لنا أن إشكالية الواجب هي إشكالية فعل أخلاقي يتأرجح بين تصورات متعددة؛ منها ما يرى أن الميولات الطبيعية أساس الفعل الأخلاقي و بالتالي أساس الواجب، و منها ما يعتبر الواجب فعل يحثه العقل بناءا على الغايات الخيرة التي يصبو إليها، فإلزاميته مستمدة من الشعور بضرورته، و من إلزامية القيام به كالشعور بواجب الدفاع عن الوطن، أو الشعور بواجب احترام الآخرين و اعتبارهم غايات لا وسائل.. و منها ما يرى أنه فعل اختيار لا يعبر إلا عن غايات جماعية تجد أساسها في استمرارية الحياة مثل واجب العمل وواجب النظافة وواجب الذهاب إلى المدرسة أو واجب احترام القوانين...
يمكن القول إن هذه التصورات حول الواجب تضل محاولات أساسية و مهمة لفهم هذا الفعل الأخلاقي. إلا أنها تبقى محكومة بخلفيات إبستمولوجية . خير دليل على ذلك اعتمادها على أنساق مفاهيمية مختلفة؛ فلسفية، تاريخية، نفسية، و اجتماعية.
يعتبر الواجب من الأفعال الأخلاقية التي تتخذ صبغة الإلزام للفرد الذي يقوم بها، من هذه الزاوية الإلزام لا يصبح ضرورة إن خضع الفعل لمبدإ الاختيار، و قد يصبح أمرا ملزما عندما يتعلق الأمر بالنداء الأخلاقي الذي يدعو إليه العقل، أو بالضغوطات النفسية و الاجتماعية التي تحدد نوع الواجبات و طرق تحقيقها. من هنا تطفو إلى السطح مفاهيم متشابكة تعبر بالأساس عن تنوع الحقول المعرفية التي تعالج هذا المفهوم: الضمير الأخلاقي، المسؤولية الفردية، الوعي، الإلزام، الإكراه...
يمكن توزيع الحقول التي تعالج هذا الإشكال إلى ثلاثة:
- تاريخ الفلسفة الذي نظر إلى الواجب في عهد اليونان بعلاقة مع الفضيلة و الخير الأسمى. و في الأنوار بعلاقة مع الحق و العدالة و القانون. هنا نقارب الواجب من زاوية العقل، الوعي و الإرادة..
- المنظور النفسي و خصوصا مدرسة التحليل النفسي، حيث تقارب الواجبات كأفعال نفسية.فتعتمد للتحليل مفاهيم الوعي، اللاوعي، السلوك، الأنا الأعلى، الثواب العقاب...
- المنظور السوسيو-أنثربولوجي، الذي يعطي الأولوية للمجتمع و الثقافة، للعادات و التقاليد، للقيم و الأعراف و كذا للتنشئة الاجتماعية...
إذن يمكن التطرق لهذا الدرس من خلال ثلاثة إشكالات أساسية:
- هل الواجب فعل يصدر عن إرادة حرة أم هو فعل تحكمه الضرورة و الإكراه؟
- ما علاقة مفهوم الواجب بالوعي الأخلاقي؟
- هل الأخلاق التي يحكمها مبدأ الواجب تقتصر على ضمير الفرد أم يؤطرها ضمير المجتمع؟
I. الواجب و الإكراه
يعبر الواجب في تصور كانط عن قانون العقل، فيتجسد في أوامر قطعية، لا تستجيب لا لميل، و لا لغاية، أو لوضعية خاصة. و إنما هو قانون كوني و شمولي مرجعه العقل وغايته احترام القانون الأخلاقي. لذلك يتخذ الواجب في تصور كانط طابع الإلزام و الإكراه، مادام يعبر عن الإرادة الخيرة. و هكذا نفهم لماذا اعتبر كانط الصداقة واجب الحب والاحترام، و الحقيقة واجب لابد من قوله بغض النظر عن الظروف و عن السياقات..إلخ.وقد عبَّر كانط عن هذا الواجب غير المشروط بقوله: "إنَّ على المرء أن يفعل للآخرين ما يريد أن يفعلوه له، أي أن يؤدِّي الفعل الذي يتمنَّى أن يصير مبدأ عاما".
ينتقد جون ماري غويو التصور الكانطي لمفهوم الواجب باعتباره أوامر قطعية تفرض نفسها على الذات انطلاقا من مرجعية العقل، و يرى بالمقابل أن المرجعية الأساسية لفهم الواجب هي الحياة و قوانينها. إن غايات الفعل التي يحددها قانون الحياة، هي نفسها تحدد الواجبات، فالواجبات تنبثق من القدرات، فقدرة العمل تجعل هذا الأخير واجبا، و مادام أن الإنسان المتحضر قدراته كثيرة، فواجباته أيضا كثيرة، و هو الشيء الذي لا يوجد لدى الكائنات المنحطة.
II. الوعي الأخلاقي
خلافا لما جاء به إيمانويل كانط يرى جون جاك روسو أن الوعي الأخلاقي معطى فطري أشبه بالغريزة يحثنا على فعل الخير، فهو لا يعبر عن إرادة للفعل، و إنما خاصية تميزنا عن الكائنات المنحطة، تمكننا من تقدير الأشياء و الأفعال، و تقودنا إلى التمييز بين الخير و الشر، وتولد فينا أحاسيس فطرية كحب الذات، و الخوف من الألم، و الرغبة في العيش السعيد. و يتكون الوعي أيضا بعلاقة مع الأشياء من خلال التنشئة الاجتماعية، التي بدورها ترسخ القيم و تشكل هذا الوعي.
هكذا يتبين لنا أن كلا من جون جاك روسو و كانط يختلفان في مصدر الوعي، إلا أنهما يتفقان حول غاية الواجب، التي هي تحقيق الخير باعتباره الغاية الأسمى.
يرى نيتشه أن الوعي الأخلاقي الذي يتحدث عنه جل الفلاسفة كقيم تدعوا إلى أفعال خيرة، ما هو إلا نتاج شروط تاريخية و نفسية ساهمت في تكوين هذا الوعي، فالخير و الشر، الضمير و الواجب.. تصورات ارتبطت بشروط مأساوية روتها دماء كثيرة، جسدها أساسا صراع الأسياد و العبيد، فعلاقة الدائن مثلا بالمدين ارتبطت بممارسة العنف، و بحق الدائن بجسد المدين..
التصور المثالي: أن أصل الوعي الأخلاقي هي أفكار نستمدها إما من العقل أو من أفكار فطرية، نتمكن بفعلها من تمييز الأشياء و تقديرها. التصور السوسيولوجي: يرى إيميل دوركايم أن أصل الوعي هو التنشئة الاجتماعية التي تبث في كل فرد صوت الواجب، و الذي لا يعبر إلا عن صوت المجتمع.
التصور النفسي: مثلا يعتبر التحليل النفسي أن أصل الوعي الأخلاقي و أصل الواجب هو الأنا الأعلى الذي تكون نتيجة القيم الأخلاقية المستمدة من المجتمع عبر آليتي الثواب و العقاب.
التصور التاريخي: مثلا أصل الوعي الأخلاقي في تصور الماركسية هو الصراع الطبقي حول امتلاك وسائل الإنتاج الذي ينتهي بإيديولوجيات مزيفة.
III. الواجب و المجتمع:
في إطار تأسيس إيميل دوركايم لموضوع علم الاجتماع، و كإجابة عن سؤال الأخلاق والواجب، يميز بين نوعين من الضمير. الضمير الخاص بالأفراد و يسمى الوعي الفردي، و الضمير الخاص بالمجتمع و يسمى الوعي الجمعي، و من هذا المنطلق يرى أن حقيقة الصوت الذي يتردد في مسامع الأفراد كصوت للواجب، ما هو إلا صوت المجتمع (الضمير الجمعي) الذي بثه فينا عبر التنشئة الاجتماعية (Socialisation).
يميز برغسون بين نوعين من الأخلاق، أخلاق تخضع لضغط المجتمع و لعاداته. يتم الاستسلام لها و هي أخلاق من طبيعتها أنها مغلقة. و أخلاق تنفتح على أفق الإنسانية، لا تخضع لواجبات المجتمع، بل لواجب الإنسانية جمعاء. إنها واجبات كونية غايتها الأسمى الإنسانية، من هذا المنطلق نجد واجبات اتجاه المجتمع و أخرى اتجاه الإنسانية.
خلاصة:
تأسيسا على ما سبق يتبين لنا أن إشكالية الواجب هي إشكالية فعل أخلاقي يتأرجح بين تصورات متعددة؛ منها ما يرى أن الميولات الطبيعية أساس الفعل الأخلاقي و بالتالي أساس الواجب، و منها ما يعتبر الواجب فعل يحثه العقل بناءا على الغايات الخيرة التي يصبو إليها، فإلزاميته مستمدة من الشعور بضرورته، و من إلزامية القيام به كالشعور بواجب الدفاع عن الوطن، أو الشعور بواجب احترام الآخرين و اعتبارهم غايات لا وسائل.. و منها ما يرى أنه فعل اختيار لا يعبر إلا عن غايات جماعية تجد أساسها في استمرارية الحياة مثل واجب العمل وواجب النظافة وواجب الذهاب إلى المدرسة أو واجب احترام القوانين...
يمكن القول إن هذه التصورات حول الواجب تضل محاولات أساسية و مهمة لفهم هذا الفعل الأخلاقي. إلا أنها تبقى محكومة بخلفيات إبستمولوجية . خير دليل على ذلك اعتمادها على أنساق مفاهيمية مختلفة؛ فلسفية، تاريخية، نفسية، و اجتماعية.
مواضيع مماثلة
» مفهوم الشخص
» مفهوم الإبداع
» مفهوم الغير (Autrui)
» مفهوم الأنشطة التربوية
» مفهوم الشخص في الفلسفة الديكارتية
» مفهوم الإبداع
» مفهوم الغير (Autrui)
» مفهوم الأنشطة التربوية
» مفهوم الشخص في الفلسفة الديكارتية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى