توظيف الرموز الأسطورية في الشعر بين نازك والسياب
2 مشترك
ثانوية ابن خلدون التأهيلية ببوزنيقة :: الدروس :: 2AB :: الشعب الأدبية :: مادة اللغة العربية :: النصوص
صفحة 1 من اصل 1
توظيف الرموز الأسطورية في الشعر بين نازك والسياب
د. رباب هاشم حسين / كلية التربية / جامعة بغداد
أما رموز نازك الأسطورية التي لا تشترك فيها مع السياب في اريس aresi اورورا aurorai دايانا dianai ليثي lethei مايدس midasi أولمب olympusi بلوتو plutoi تاييس thaisi يوتوبيا utopiai فيستا vestai فلكان vulcani فيكان... vica الخ...
ولدى السياب رموز كثيرة لا يشترك فيها مع نازك تناولها الباحثون بالدراسة منها:
أوديسيوس odysseusi وأوديبا oedipusi والكترا electrai وجوكاست gecastai وفاوست fausstusi وهييلين heleni وكونغاي kongaii ودافني daphnei وتنتالوس tantalusi وسيزيف sisyphusi وايكاروس lcarusi واورفيوس... Orpheus الخ...(26)
وقبل أن نعقد مقارنة بين نازك والسياب في مجال توظيف الاساطير لابد من استعراض تطور هذا التوظيف لدى نازك أولا ثم نعرج على السياب بعد ذلك مقارنين بينهما وذلك لنزر الدراسات التي كتبت عن الاسطورة في شعر نازك أما السياب فالدراسات كثيرة عنه في هذا المجال.
إن من أهم القصائد التي ضمت إشارات أسطورية في شعر نازك مطولتها الشعرية بصورها الثلاث 1945 – 1965 (27)
واحتوت عددا كبيرا من الرموز الأسطورية ذات الدلالات المحدودة أما بقية الإشارات الأسطورية في شعر نازك فيتوزع بين الأعوام 1949 – 1957 وأعني بين ديوانيها شظايا ورماد وقراره الموجة ثم تعزف بعد ذلك على العكس من السياب عن الرموز الأسطورية لأسباب نفسية وفكرية ولكنها تستعض عنها برموز دينية وتراثية مستمدة من التراث العربي والإسلامي والمسيحي.
وحتى نقرب أسلوب توظيف الاسطورة في شعر نازك من الممكن الاستشهاد بقصيدة صلاة إلى بلاوتس (28)
التي اعتمدت فيها نازك ثلاثة رموز أسطورية: الأول: بلاوتس plutus (29). والثاني: فلكان Vulcan (30). وهو اسم روماني ل(هيفستس Hephaestus) (الإغريقي. والثالث مايدس midas.) (31)
تستعرض نازك في مطلع قصيدتها (مطولتها) لهاث الإنسان المعاصر وراء الطمع والجشع في هذه الدنيا أو في واقعنا المعاصر من خلال الذهب بكل تداعياته ومن خلال ذلك تستنكر صورة (مايدس) الذي ساقته أطماعه ولهاثه وراء التبرالى ذلك المصير المأساوي الذي وصل إليه في نهاية القصيدة وقد بلغت فيه شهوة حب الذهب في مطلع القصيدة مبلغ الجنون إلى الحد الذي أصبح فيه كل شيء يذكره بالذهب هذا المعدن الثمين وأصبح كل ما يذكره به يثير في نفسه مشاعر الطمع المجنون حتى النجوم والبحر:
حدثيهم عن ذلك الملك الغابر (ميداس) كيف كان مصيره أين ساقته شهوة الذهب العمياء ماذا جني عليه غروره جن بالتبر لم يعد يعشق الأنجم إلا إذا أذكرته سناه وازرقاق الغيوم والبحر ما عاد مثيلا لحبه ورؤاه وتتصادم في أعماق نفس (ميداس) مشاعر الجشع المضني والهيمنة على كنوز الدنيا وهو يحلم بالكنز الذي سيحصل عليه ويتحقق له كل ما كان يرغب فيه حين منحه الإله (ديونيسيس Dionysus ) يدا تحول كل شيء إلى ذهب فالإزهار والأشجار والأنهار والأكل والشرب تحولت على يد هذا الملك المجنون بالتبر غالى ذهب بارد لا حياة فيه ولا يمنحه الحياة الخالدة التي كان يتمناها وتضل به الحال إلى قمة المأساة حين حول ابنته (نهاوند) إلى تمثال من ذهب بارد تقول: أيه ميداس أيها الملك الأحمق ماذا جنيت؟ أي غرور؟
ارقب ألان مطلع الفجر وانظر كيف عقبى خيالك المغرور في غد تستحيل أشجارك الحية تبرأ تعفه النداء وسواقي المياه تجمد صفراء كصحراء جف فيها الماء وحرير الستائر اللدن يغدو جامدا لا ليونه لا انثيال و(نهاوند) بنتك العذبة الجذلى ستغدو في لحظة تمثال فاشرب ألان خمره الندم البارد واسكر بحلمك الذهبي (32)
إن نظرة عامة إلى هذه القصيدة تأخذ بأيدينا إلى سبيل من سبل استخدام الاسطورة في شعر نازك هذه القصيدة وهي إن نازك أضافت ما لم يكن في الاسطورة أصلا حينما ابتدعت شخصية نهاوند هو اسم من اختراع نازك (فارس الأصل) له صلة بالموسيقى ويقال أنها اسم لمدينة في إيران استثمارا فنيا عاليا كما سنبحثه بعد حين ولعل كل هذا يشير إلى رغبة نازك في تطوير الاستخدام الأسطوري إذا ما واجهنا هذه القصيدة بقصيدة أخرى سابقة هي (نهر النسيان).
ومع ذلك يبقى التوظيف الفني للأسطورة في شعر نازك متخلفا عن بدر شاكر السياب لأنها وراء الحكاية الأسطورية بتفصيلاتها ودلالاتها اللغوية وكأنها تعيد صياغتها شعرا وبمعنى آخر أن نازك لم تستثمر الرموز الأسطوري استثمارا فنيا جديدا يجعل هذا الرمز ذا تأثير مهم في القصيدة أنها لم تجعل من هذه الرموز رموزا خاصة بها لها دلالات في المجال الفني وإلا ما الاختلاف بين (بلاوتس) أو(ميداس) في دلالتهما العامة عما هو موجود في أصل الاسطورة انه تكرار لتلك الدلالات لا غير مع إضافة مهمة لم تستثمر فنيا ونعني ابتداع شخصية (نهاوند) ابنة (ميداس) أما ظاهرة تعدد الرموز الأسطورية في هذه القصيدة فتبدو غير مبررة ولا سيما رمز (بلاوتس) اله الذهب الذي لم يرتبط بأية أحداث درامية مثيرة لا في الاسطورة نفسها ولا في القصيدة ولذا فقد جنحت الشاعرة إلى اجتلاب الرمز الآخر (ميداس)لأنه أكثر حيوية ويتمتع بطابع درامي يمكنه تحمل أعباء الفكرة التي أرادت الشاعرة تجسيدها ومن هنا يبدو (بلاوتس ) وكأنة نتوء أسطوري أقحم على النص إقحاما دون مبرر فني أو موضوعي (33)
على حد تعبير مسلم حسب حسين عدا كونه اله الثراء والعالم السفلي وهاتان الميزتان لهما علاقة بالذهب.
إن الشاعرة كما قلنا لم تستثمر الرموز الأسطورية في هذه القصيدة استثمارا فنيا يكثف المحتوى الفكري للقصيدة وان ظلت الاسطورة أكثر ثراء وعمقا في دلالتها التوجيهية (الإرشادية) أما هل استطاعت نازك أن تطور الإحداث وتجعلها أكثر درامية؟ هذا ما لا تسعفنا القصيدة على تصديقه لأنها مثلا لم تستفد من ندم (ميداس) وما انتابه من مشاعر مؤلمة بسبب فقدانه لابنته الوحيدة على الرغم من أنها أي الشاعرة هي التي أضافت هذا الجزء على الاسطورة بل لم توضح الشاعرة طبيعة ذلك الندم حتى جردته منه مع انه من أهم (اللحظات الإنسانية درامية) إن ما وجدناه في الأبيات الأخيرة للقصيدة لا تخرج عن الم الشاعرة نفسها ومعاناتها الخاصة تجاه تلك الفتاة أما مشاعر الملك الطماع ومأساته فظلت مكبوتة غير معلنة لم يدرك أبعادها المتلقي.
وباستطاعتنا ألان ونحن نستعرض باختصار تطور استخدام الاساطير في شعر نازك الوقوف على الرموز المشتركة بينها وبين السياب لنقارن بينهما ولمعرفة الفر وقات الفنية في مجال توظيف الرمز الأسطوري في القصيدة لدى كل منهما.
يرد لدى نازك اسم (ابولو) اله الشمس والفن والشعر في موضع متعددة دون أن يخرج عن دلالته المعروفة أيضا وهذا من الاساطير المشتركة بينهما وبين السياب إلا إن السياب كان أكثر قدرة في مجال التوظيف الفني لهذا الرمز بينما نجده في شعر نازك محدودا لا فنية فيه تقول نازك:
أيها الشاعر الذي يسهر الليل مستغرقا في الجمود محرقا روحه بخورا على حب (ابولو) ووحيه المنشود (34)
وفي قصيدة أخرى تقول:
راضيا بالشحوب والسقم حبا لابولو مستسهلا ما كانا (35)
يتضح من الأبيات السابقة أن الرمز الأسطوري هنا غير متولد وليس فيه الإشعاع الفني الكافي ولم يتقمص دلالة جديدة تخرج به عن دلالته اللغوية المعروفة في الاسطورة الإغريقية بينما نجد السياب في قصيدة (المومس العمياء) يستخدم اللمحة الأسطورية لمطاره (أبولو) اله الشمس والشعر ل(دافني) ليوقع هذه الصورة على المحاورة التي يوردها على لسان المومس بقوله:
ستظل – مادمت سهام التبر تصفر في الهواء تعدو ويتبعها أبولو من جديد كالقضاء وتظل تهمس إذ تكاد يداه أن تتلقفاها ابني بيد أنك لا تصيخ إلى النداء (36)
فالسياب حين جاء بلمحة المحاورة هذه أراد أن يجعل منها دالة على واقعنا الحالي الذي أصبح أسطورة لهول ما يجابهه المرء من مشكلات حضارية فإذا كان رمز (أبولو) وهو يحاول اغتصاب (دافني) دليلا على سطوة الإلهة الجبارة في عالم الأسطورة فانه في تجربة السياب يعني سطوة أخرى هي قوة الظلم والقهر الاجتماعي الذي يحيل مثل هؤلاء الفتيات إلى بائعات هوى محترفت (37)، ولا يوجد من ينقذ بائعة الهوى من شهوة الرجال عكس دافني التي أقذها أبوها بعد أن حولها إلى شجر إكليل (38)، ولقد حمل السياب الأسطورة معنى آخر عمق فيه العمل الفني وهو يؤكد قهر الواقع الموضوعي أمام اختيارات الإنسان.
ومن الرموز الأسطورية المهمة التي تناولها كل من السياب ونازك الملائكة (أدونيس) و (فينوس وقد أستخدمهما السياب باسميهما الإغريقي والبابلي إلا أنه مال كثيرا إلى التسميات البابلية فأطلق على أدونيس اسم (تموز) البابلي وعلى فينوس أمس (عشتار)حتى سميت مرحلة من أهم مراحل شعره بالمرحلة التموزية لكثرة ورود هذا الرموز في شعره ولم يكن كتاب الانثروبولوجي الانكليزي جيمس فريزر الغصن الذهبي هو المصدر الوحيد الذي استمد منه السياب أسطورة فينوس وادونيس بل هناك مصادر أخرى كالقواميس المثولوجية المترجمة والأصلية وما كتب عن هاتين الشخصيتين في الشعر الانكليزي والشعر العربي الحديث.
وبأسمائها البابلية كـ ( عشتروت وأدونيس ) للشاعر اللبناني حبيب ثابت ( 1974) الذي صاغ هذه الأسطورة في ست عشر قصيدة قصيرة . (39)
وقد اجتمعت الشخصيتان في شعر السياب على العكس من شعر نازك الذي لم تجتكع هاتان الشخصيتان الأسطوريتان معا فيه بل تفضل نازك الاشارة الى كل منهما على نحو المستقبل ، وتكرار الاشارة الى أدونيس أكثر من فينوس ولم يرد اسم تموز في شعر نازك كما حدث في شعر السياب وذلك لاعتادها على الاسطورة الاغريقية لهذه الشخصية وأدونيس كما هو معروف اله الخصب والجمال ومعناه ( السيد الجليل) الذي هامت به فينوس حبا لا كنه لم يعرها اهتماما فأمرت كيوبيد أن يصيبه بسهم العشق لكنه أخطا فارسلت اليه خنزيرا قتله وقطع جسده وقال ان وردة شقائق النعمان قد أينعت من دمه (40) ولقد استطاعت نازك أن تستخدم رمز أدونيس استخداما شبه موفق حين جعلت مو أدونيس منبع الأسى والتعاسة لديها ، وهي بذلك انحرفت عن المعنى الشائع ولم تتعامل معه تعاملا سطحيا على الرغم من مغزاه القديم الذي يدل على جمال الطبيعة والكون وتجدد الحياة ، تقول نازك:
أي أدونيس آه لو عشت في الأرض فعاش السنا ومات الظلام
آه لو لم يكن مقامك في عالمنا المكفهر حلما قصيرا
آه لو دمت يا أدونيس للأرض وأبقيت عطرك المسحور (41)
اما السياب فكان مجيدا في استخدامه لهذا الرمز باسميه الاغريقي والبابلي شأنه مع الرموز الأخرى ، وهو يستخدمه في قصيدة ( مدينة السندباد) رمزا للخصب والتجديد والحياة المشرقة ولكن بصورة " عتاب صريح يوجه الشاعر الى أدونيس بتعبير لا يخلوا من السخرية (42) يقول السياب : أهذا أدونيس هذا الخواء ؟
وهذا الشحوب وهذا الجفاء؟
أهذا أدونيس ؟ أين الضياع ؟
واين القطاف ؟
مناجل لا تحصد / أزهر لا تعتقد
مزارع سوادء من غير ماء
أهذا انتظار السنين الطويلة ؟
اهذا صرا الرجولة ؟ اهذا أنين النساء
أدونيس يالاندحار الرجولة (43)
نلاحظ أن الاختلاف واضح توظيف هذا الرمز لدى من نازك والسياب ونعزو ذلك كما قلنا سابقا إلى التزام القصيدة الغنائية التقليدية مجالا لتوظيف الرمز وهذا لا ينسجم مع طبيعة التجديد في مجال استخدام الرمز الأسطوري بينما يوظفه السياب في قصيدة درامية حرة فجاء مبتكر رائعا آخذ بعده الطبيعي ويستخدم السياب الرمز نفسه البابلي (تموز) هذه المرة استخداما سياسيا غير موفق في قصيدة (العراق الثائر) وهو بهذا وقع بما وقعت نازك من غنائية واضحة واقترب منها في استخدامه لهذا الرمز لأنه " وهو يستطيع تفجير الدلالة الأسطورية للرمز كما كان يفعل في سابق عهده فجاء تموز تشبيها قليل الأثر في سياق القصيدة " (44) يقول السياب:
فلتحر سواها ثورة عربية ، صعق الرفاق
منها وخر الظالمون
لأن تموز استفاق
من بعد ما سرق العميل سناه فانبعث العراق (45)
وهذا لا يعني أن السياب غير مجيد توظيف الرمز الأسطوري لتموز وإنما هي كبوة شاعر ، وقد وظفه توظيفه رائعا في قصائد كثيرة وبالأخص حينما مزج بينه وبين شخصية المسيح (ع) بعد أن حمل الشاعر ذلك الرمز مضامين فكرية واجتماعية ذاتية جديدة غير شائعة في دلالته الأسطورة المعروفة ، ولعل خير مثال نضربه في مزج هاتين الشخصيتين لدى السياب قصيدته
" رؤيا في عام 1956" التي يقول فيها:
أيها الصقر المنقض من أولمب في صمت المساء
رافعا روحي لأطباق السماء
رافعا روحي غنيميدا جريحا
صالبا عيني تموزا ، مسيحيا
أيها الصقر الالهي ترفق
أن روحي تتمزق
أنها عادت هشيما يوم أمسيت ريحا (46)
فكلا الشخصيتين هما قناع يلبسه السياب ليخفي شخصيته خلفه "فصور صلب المسيح وتموز الذي يمزقه الخنزير البري لا تغيب عن مخيلة السياب لأنها تشكل جزء تضحية ومعاناته من أجل الآخرين فالنسر الذي يرفع غانيميد ليحط قرب الآلهة ، يرفع السياب عاليا ويسقطه جريحا (47) ومن ذلك السياب يطور الأسطورة حين يمزج خصائص (تموز) في الأسطورة البابلية وبين خصائص (أدونيس) يقابل تموز عند سكان آسيا الصغرى (48) ويقول السياب :
تموز هذا آتيس
هذا وهذا الربيع
ياخبزنا ياآتيس
أنبت لنا حبا واحيي اليبيس
التأم الحفل وجاء الجميع (49)
لقد أفاد السياب من طقوس الاحتفال بموت أدونيس لدى الإغريق وتموز في بابل الذي يصحبه " عويل النساء اللاتي كن يخشن الإصابة بالعقم حيث الجدب يشمل كل مظاهر الحياة ويذكر عويل النساء بسبب اختفاء أدونيس بعويل البابليين بسبب اختفاء الهم تموز (50) وقد استثمر السياب هذه الطقوس ليحملها مضامين جديدة ورموزا ذات شأن " وجعلها تؤدي أغراضا متعددة وبثها في معظم قصائده التموزية فرأى فيها رموزا لولادة الثورة وإعادة الحياة الكريمة للمعذبين الذين يقارعون الظلم والطغيان فحلفت قصائده بدلالات ثورية حيناً وبدلالات الانحدار في حين آخر " (51) يقول في قصيدته " أغنية في شهر آب"
تموز يموت على الأفق
وتغور دماه على الشفق
في الكهف المظلم والظلماء (52)
والاسم الأسطوري القرين لـ" أدونيس " وهو " فينوس" الذي يتكرر لدى كل من نازك والسياب كما أشرنا سابقا وتمثيل نازك إلى الاسم الأغريقي " فينوس " ففي قصيدتها ميلاد البنفسج " تشير نازك ولأول مرة إلى فينوس مبهورة بفكرة ميلادها من زبد البحر وتخدمها هذه الفكرة التعبير عن كيفية خلق القصيدة في ذهنها هنا تربط نازك بين ربه والجمال والشعر للعلاقة الوطيدة بين الاثنين وأعني الحب والجمال والسحر والالهام:
وتولد عندي القصيدة
كمولد فينوس من زبد البحر طافية مثل وردة
جدائلها أشطر عائمات
وأهدابها من حروف ومن كلمات (53)
ولا يعدم الباحث أن يرى التوظيف هنا قد يشكل بعدا محدودا لا يتجاوز المشبه به بمعنى أن نازك لم تحاول استثمار الأسطورة أو الاسم بطريقة فنية لتجعل من الرمز قضية ذات تأثير عميق في القصيدة فمن الممكن أن نغير اسم فينوس بأي اسم آخر يدل على المعنى نفسه دون ان تتأثر القصيدة أما السبب فيميل إلى استخدام اسم ( عشتار) بدلاً من (فينوس) في مجمل قصائده على الرغم من استخدامه اسم ( افروديت) في بعض شعره .
وتحت انبهار السياب بأسطورة موز وعشتار وحاول توظيفها في قصائد لا علاقة لها فجاءت مختلفة ناشزة كما حدث في قصيدته " إلى جميلة بوحيرد" حيث ينتقل من الحديث عن جملية وبطولات الجزائر إلى الحديث عن عشتار آلهة الجنس والخصب وعن الفداء وعن المسيح يقول السياب :
مشبوحة الأطراف فوق الصليب
يأتيك كل الناس كل ألأنام
يرجعون مما تبذلين الطعام
والأمن والنعماء والعافية
بالأمس وارى قومك الآلهة
عشتار أم الخصب والحب والإحسان تلك الربة والوالهة
لم تعط ما أعطيت لم تروا بالأمطار ما رويت : قلب الفقير (54)
وفي قصيدة رؤيا في عام 1956 تتحول " حفصة العمري " تلك المرأة الشهيدة إلى عشتار آلهة الخصب ةتتحول دلالة الفناء حين صار مرادفا للإله (موت) وبالفعل بين الرمزين المتكاملين ينحو تموز في قلب دلالته أيضا إلى الفناء (55) وهذا لعمري تمثيل رائع يجعل للأسطورة وتوظيف فني يجعل الأسطورة معنى آخر منحرفا عن المعنى الشائع يقول السياب :
عشنار على ساق الشجرة
صلبوا دقوا مسمارا
في بيت الميلاد – الرحم
عشتار بحفصة مستترة
تدعى لتسويق الأمطار / تموز تجسد مسمارا
من حفصة يخرج والشجرة (56)
لكن عشتار تصبح رمزا مكشوفا لحفصة التي يعد صلبها فداء وتضحية يوجب إقامة طقوس استنزال المطر غير ان المفارقة تدخل قسريا حيث يتجسد "تموز" اله مسمارا يخرج من حفصة والشجرة (57) لكن السياب ما لبث أن حور طقوس الأسطورة القديمة وجعلها تدبوا ذات مضامين جديدة اضافة الى انه لفق أكثر من شعيرة طقوسية في القصيدة الواحدة فبدلا من أن تكون أغاني الطقوس مبهجة سعيدة فقد جعلها مخيفة تقوم على الدم والقتل "58" وخلاصة القول أن السياب كان أكثر توظيفا من نازك في مجا لاستخدام رمزي تموز وعشتار وأدونيس وفينوس ولقد تناول الباحثون قصائد السياب التموزية بالتحليل والتفصيل ولا نريد ان نقف كثيرا عند هذين الرمزين اللذين تكررا في شعره كثيرا .
ولنازك رموز أخرى مشتركة مع السياب منها السيرين التي وردت في الأساطير على أنها نوع من حوريات البحر النصف الاعلى منها نصف امرأة مكتملة الأنثوية بارعة الجمال أما النصف الثاني فنصف سمكة "59" وهي تغوي البحارة بصورتها العذب فيلقون بأنفسهم في الماء ويموتون غرقا وهي لدى نازك رمز للخداع والاغواء ولعذوبة الصوت والجمال الجسدي تقول في قصيدتها "نداء الى السعادة"
في خفايا مغمورة عنكبوت الشر الفى فيها سريرا مريحا
وركاب السيرين آوت اليها والثعابين أثقلتها فحيحا (60)
ويبدوا أن نازك هنا تلتقي مع السياب في مجال استخدام هذا الرمز لأنه ظل لدى كل منهما مجرد " مشبه به " لا يؤثر كثيرا في بناء القصيدة ولا ينم عن تحول في مجال اضافة ظلال اخرى على هذا الرمز وعلى الرغم من أن الشاعرة استدعن " السيرين" في هذه القصيدة استدعاء طبيعيا يكشف عن مدى اليأس الذي تعيشه الشاعرة في بحيث المضني عن السعادة مع ثقتها بوجودها.
والسياب أيضا استخدم هذا الرمز بدلالة الاغراء والخداع واسقاطها على حالته المرضية وهو يصارع الموت يقول في قصيدته "سفر أيوب" :
رميت وجه الموت الف مرة
اذا اطل وجه البغيض
كأنه السيرين يسعى جسمي المريض
نحو ذراعيه بلا تردد (61)
ومما يدل على ان السياب زظف هذا
توظيف الرموز الأسطورية
في الشعر بين نازك والسياب
د. رباب هاشم حسين / كلية التربية / جامعة بغداد
المقدمة
بعيدا عن محاولتنا ولوج عالم الأسطورة ورموزها يجدر بنا الإحاطة بمجمل الدوافع التي دعت الشاعر المعاصر إلى اللجوء إلى ذلك التراث الإنساني الموغل في القدم ليستلهم منه تلك الأجواء الروحية العميقة وملامح البطولة الإنسانية المتفردة التي تجسدت بأفعال الشخصيات الأسطورية وتطلعاتها ومواقفها إزاء الحياة الإنسانية وما يحيط بها من غموض وتعقيد.
وإذا كانت الأساطير في مضمونها العام حكايات أو قصص غارقة في الخيال والتصورات الخرافية بوصفها مجافية للمنطق الحضاري الحديث فكيف يمكن أن يكون اللقاء بين الشاعر المعاصر وصانع الأسطورة؟ إن نظرة فاحصة متعمقة في صميم العمل الشعري والبناء الأسطوري تظهر لنا بجلاء مدى الصلات الحميمة التي تربط بين هاتين الظاهرتين . ولعل أبرز تلك الصلاة هي البناء اللغوي وأسلوب الأداء التعبيري اللذان يتجاوزان حالة التشابه إلى حالة مهمة من التطابق الذي يثير في أذهاننا الاعتقاد بأننا ورثنا من إنسان بتلك الثقافة الأسطورية البدائية الكيفية اللغوية التي كان يعبر بها عن تصوره وإدراكه للواقع وإننا برغم ما نملك من نظرة موضوعية ما زلنا نحتفظ بتلك اللغة المفعمة بالحياة والرموز ولعل الصفة الأسطورية للتراكيب اللغوية والمفردات اللفظية من المسلمات التي يقوم عليها العلم الحديث في أصل اللغة.
فضلا عن ذلك كله إن البناء الأسطوري لا يتضمن عنصرا نظريا أو فكريا فحسب بل انه يحمل عنصرا فنيا ذا طابع إبداعي على نحو ما يقول كاسيرر وأول ما يلفت انتباهنا في الأسطورة هو صلتها الوثيقة بالشعر ذلك أن عقل مبدع الأسطورة عقل شاعر بل إن الشاعر وصانع الأساطير يعيشان في عالم واحد فلم تعد الأسطورة مرتبطة بمرحلة تاريخية بدائية لان الفن لا ينقد إطلاقا الخيال ألغرائبي الذي تصوره الأساطير بل يتجدد مع كل فنان عظيم في كل العصور.
إن الأسطورة بما تنطوي عليه من طاقات إبداعية فاعلة ومؤثرات تكسب الشعر قدرات فنية ودلالية من خلال خلق علاقات لغوية عميقة السعة والشمول بحيث تصبح بنية القصيدة نسيجا فريدا من الدلالات والرموز التي تحيل إلى ذلك العالم الغامض الخفي الذي يتوخى الشاعر تجسيده على المستويات الفكرية والنفسية والإنسانية وعن طريق الأسطورة وما تتضمن من عطاء فني وتاريخي تكون إسقاطات الشاعر الرامزة التي تجعله يوظف الأسطورة توظيفا رامزا يكون في وسعه تخليص اللغة الشعرية من غنائيتها الفجة بواسطة استحداث معادل موضوعي بين الذاتية والموضوعية والانطلاق بالتجربة الفردية إلى مستوى التجربة الإنسانية الكلية.
ولعل القارئ الكريم لا يستغرب أن يستخدم السياب الرموز الأسطورية في شعره لأنه أغرم بها وتوسع في توظيفها منذ بواكيره وقد يتعجب من توظيف الرموز الأسطورية في شعر نازك الملائكة لان نازك في دراسات الباحثين عزفت عن استخدام الأساطير أو الاهتمام بها وهذا ما دفعنا إلى تأليف هذه الدراسة التي تعقد موازنة بين قدرة السياب الفنية في توظيف السياب للرموز الأسطورية لتجسيد معالم الموت التاريخي وضرورة الانبعاث من خلال الثورة والتضحية بل عبر عن قضايا إنسانية كبرى لها صلة مباشرة بحاضر الإنسان ومستقبله في حين إن الرموز والإشارات الأسطورية في شعر نازك تكاد تتركز في بواكير شعرها من الناحية الزمنية أما في المراحل اللاحقة فإنها كما يبدو قد عزفت عن تلك التقنية الشعرية واضعة ثقلها على الرموز ذات الدلالة الخاصة والبناء الشعري ذي السمة الشعرية ولقد حاولت استقراء كل الرموز الأسطورية التي وظفتها نازك في شعرها لجاعل القارئ على بينة حول طبيعة ذلك التوظيف ثم قارنت بين توظيف السياب الفني للرموز الأسطورية وتوظيف نازك لرفع الحيف عن الإهمال الواضح لظاهرة استخدام الرموز الأسطورية في شعر نازك الملائكة.
توظيف الرموز الأسطورية في الشعر بين نازك والسياب
الرموز الأسطورية في الشعر العربي الحديث الدوافع والمؤثرات:
لا يخفى أن من المنجزات المهمة في حركة الشعر الحر على يد الرواد استخدام الأساطير رموزا يوظفونها في بناء القصيدة لتعبر عن أفكار ومعان عميقة وعن رؤى ومضامين طريفة ومكثفة لم يألفها القارئ العربي قبل خمسينات هذا القرن وبدأت تحتل لدى الشعراء المتأثرين بالأدب الأوربي حيزا كبيرا في الخمسينيات والستينيات... وخاصة في الإنتاج الشعري إلى الحد الذي جعل خليل حاوي يعد استعمال الأسطورة في الشعر الحديث من أهم صفاته (1)
ولعلنا لانعدم البحث عن أساطير ودت في الشعر العربي القديم ولأجرم أن نعثر على رموز أسطورية في الشعر العربي الحديث قبل الرواد ولاسيما لدى جماعة الديوان وابولو ولكن الاستخدام لدى الشعراء الرواد في العراق أخذ اتجاها أخر أكثر عمقا وأوسع أفقا وأبعد نظرا وأكبر كما ومما لاشك فيه أن هؤلاء الشعراء قد تثقفوا بالثقافة الأجنبية وأطلقوا على الأدب الأوربي عامة والشعر الغربي خاصة لان شعرهم كما يبدو استقى من الشعراء الأوربيين فكرة استخدام الاساطير وعلى الرغم من أن الاساطير نتاج (إغريقي أو روماني) لكنه أصبح فيما بعد تراثا أوربيا يتبناه الشعراء الغربيون ويوظفونه في شعرهم ولكنه تراث طبيعي للغربيين أولا ولكن شعراءنا سارو إليه بدافع التقليد وبدعوى التجديد(2)على رأي الدكتور علي جواد الطاهر.
إن الشعراء العرب الذين لجأوا إلى استخدام الرموز الأسطورية في شعرهم مطلع هذا القرن تأثرا بالشعر الغربي واقتباسا لأساليبه كانوا يدركون تماما إن واقعهم وظروفهم السياسية والفكرية آنذاك هو واقع مشابه للواقع الذي أشار إليه ت.س. اليوت في قصيدته الأرض الخراب وحين تكون الأرض الخراب بالنسبة ل(ت.س.اليوت) المدينة الخيالية (اليوتوبيا) بكل ما فيها فالأرض الخراب بالنسبة للشعراء العرب هي أرض بلادهم التي غزتها الحضارة الجديدة وبالتالي فقدان الناس فيها لهويتهم الأصيلة وبما أن الأرض الخراب في قصيدة اليوت تسترد عافيتها بوعد هطول المطر في الجزء الأخير منها فالشعراء العرب قد استفادوا من هذه الفكرة في أسطورة ادونهيس ولذا فان خلاصهم يتحقق حسب اعتقادهم من خلال التضحية ويتضح ذلك مثلا لدى الشاعر يوسف الخال الذي يرى أن تجاوز الواقع المر إلى مستقبل مشرق لن يكون إلا من خلال الموت (التضحية) الذي يتبعه واقع جديد (البعث) وانطلاقا من هذا المبدأ لجأ يوسف الخال إلى توظيف أسطورة 0تموز) لما فيها من دلالة رمزية كان ينشدها.
ومن أوائل الذين أفادوا من أسطورة تموز وتوظيفها في الشعر العربي بدر شاكر السياب وعلى أحمد سعيد الذي لقب نفسه ب(أدونيس) وهو الاسم الإغريقي ل(تموز) ففي قصيدته البعث والرماد (1957) خير مثال على التعبير عن موقفه السياسي تجاه واقعه.(3)
ومن الطبيعي إن تتحدد دوافع استخدام الاساطير بين التقليد للشعراء الغربيين أمثال ت.س.اليوت t.s.eliot واديث سيتويل edith sitwell وجون كيتس gohn keats وشيللي shelley وغيرهم وبين البحث عن الأبعاد والدلالات الرمزية أو الرجعة إلى الحياة البدائية الساذجة للتخلص من تعقيد الحياة أو البحث عن معين فني بعيد عن مادة الحياة فيه غذاء للخيال وانطلاق من حدود العقل (4). ومن الجدير بالإشارة أن الشعراء الرواد – وخاصة السياب والبياتي – حين استخدموا الاساطير أضافوا إضافة نوعية إلى الشعر العربي التحديث وحسبهم أنهم وظفوه في كيان قصيدة عربية مكتوبة بلغة عربية وأفكار عربية وجها ولسانا بالرغم من التأثر بالشعراء الأوربيين ولقد نجحوا أيما نجاح.
إن قضية التأثر والتأثير واردة هنا ولا ضير فيها في ظننا لان الاساطير أصبحت تراثا عالميا وانسانيا فيها من شمول الدلالة والعمق ما يجعل الشاعر العربي يوظف رموزا أسطورية توحي بما هو أكبر من المساحة التي تحتلها من اللفظ (5). ولكن استخدام الاساطير كما يرى د. علي البطل لا يعد في ذاته ظاهرة تستحق الاهتمام بقدر ما يستحقه الجديد في الاعتماد على الأسطورة وجعلها عنصرا فاعلا من عناصر القصيدة الحديثة لا تزيينا أو زخرفا بلاغيا (6). وهذ ما طمحنا إلى ألفات النظر إليه في مستهل هذا البحث لان تبني الاساطير فنيا لا يتأتى بسهولة لكل شاعر ما لم يفهم الأبعاد الإنسانية والمعاني الفكرية العميقة للأساطير القديمة وامتلاك دلالاتها مثلما يمتلك تجربته الشعرية وصياغته الفنية.
الرموز الأسطورية في شعر الرواد في العراق:
ما يهمنا – إذن – أن استخدام الرموز الأسطورية في شعر الرواد كانت قضية تستحق البحث لأنها ظاهرة مهمة من ظواهر هذا الشعر لما فيها من دلالات خاصة حاول الشعراء من خلالها تفجير الدلالة المطلوبة في إطار السياق الشعري ليؤكدوا الأحاسيس والمعاني والأفكار التي يحملونها في جنباتهم من خلال المواءمة بين الرمز والسياق الفني بمعنى توظيف الشاعر لرمزه الأسطوري انسجاما مع السياق الفني لقصيدته ولولا ذلك لتحولت القصيدة إلى (ترقيع) غير متجانس فنيا.
ولقد تفاوت الشعراء الرواد في أساليب استخدامهم للرموز الأسطورية فمنهم من ذكر شخصية من شخصيات الأسطورة ومنهم من اتكأ على معناها العام دون أن يذكرها ومنهم من ذكرها وأفاد من مغزاها العام.
كل حسب قناعاته ودوافعه وذلك لما في الأساطير من طاقة رمزية تمنح الشاعر مجالا للتعبير ليفصح عن أفكاره على نحو فني يبعد القصيدة عن المباشرة والسطحية من جهة وينأى بالشاعر أحيانا أن يكون عرضة للأذى والملاحقة (7). وهذا يشير إلى أن للظروف السياسية والاجتماعية دورا في هز كيان الشاعر أمام هذا القلق الحضاري وتبدل القيم والعلاقات الإنسانية.
يبدو أن الشعراء الرواد كانوا على صلى بالثقافة الأوربية والأدب الغربي وأخص بالذكر هنا نازك الملائكة والسياب فقد اطلعوا مثلا على كتاب الغصن الذهبي لجيمس فريزر وعلى بعض المعاجم الميثولوجية المترجمة وغير المترجمة فالسياب على سبيل المثال توزعت لديه المصادر الأسطورية وتنوعت بين مؤثرات ثقافية لشعراء أوربيين وبين مؤثرات ميثولوجية قديمة لكتب وأساليب أدبية حوت مضامينها دلالات اجتماعية وإنسانية كثيرة.(8)
يتفق مجمل الباحثين على إن السياب هو أول الشعراء الرواد من العراقيين استخداما للأساطير في شعره في مجال الرصد التاريخي وهذا مما شاع لدى شريحة كبيرة من القراء وحقيقة الأمر أن نازك الملائكة هي الأسبق إذا أردنا التسلسل الزمني ومما يدل على ذلك ورود أسماء شخصيات أسطورية في شعرها منذ عام 1945 في قصيدتها الطويلة مأساة الحياة في صورتها الأولى وذا ورد (ابولو) حوالي عام 1945 فانه يرد عابرا عاما في مأساة الحياة أي من غير الموحيات البلاغية المطلوبة وربما كان (بلاوتس) اله الذهب عام 1950 مثله أو قريبا منه (9).
وفي مقولتها أغنية للإنسان 1950 أسماء شخصيات أسطورية متعددة أيضا ومما يؤكد اهتمام نازك بالأساطير الإغريقية وغيرها ما ذكرته د.حياة شرارة من أن نازك الملائكة درست اللغة اللاتينية منذ عام 1950 والذي يدرس اللغة اللاتينية يطلع بالضرورة على الأدب الروماني وما فيه من أساطير تقول واصلت نازك دراسة اللغتين اللاتينية والفرنسية وظلت تحفظ قوائم تصريف الأفعال وتغيرات نهايات الأسماء اللاتينية وفي الوقت نفسه بدأت بكتابة ملحمة أدخلت فيها أساطير عربية وإغريقية وبابلية ووجدت أنها بدأت بمرحلة جديدة في تطور شاعريتها (10).
وهذا أيضا و أكدته نازك نفسها في مقابلة شخصية معها عام 1984 (في الكويت) حينما سئلت عن الأسماء الأسطورية التي وردت في شعرها هل جاءت بسبب اطلاعها المباشر على المصادر الأجنبية أم تعرفت عليها من خلال الشعر الانكليزي؟
أجابت كل هذه الأسماء وسواها استعملتها لأنني أعرف الميثولوجيا الإغريقية من أصغر تفاصيلها إلى أكبرها درستها دارسة مفصلة في فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة عام 1942 (11).
ولعل نازك في حديثها السابق قد بالغت بعض الشيء في هذا الشأن ولكنه يدل بلا شك على اطلاع ما على الأساطير اليونانية.
إن ما ذكرته د.حياة شرارة وغيرها من الباحثين وتواريخ قصائد نازك نفسها أعني مطولتها تدل دلالة واضحة على أسبقية نازك الملائكة في مجال استخدام الأساطير مقارنة بالسياب الذي بدأ باستخدام الأساطير بعد عام 1952 كما هو معروف في مطولته الرائعة (المومس العمياء) بسبب تأثره بالشعر الأوربي كما اشرنا سابقا ولقد اهتم السياب ونازك اهتماما خاصا بالشخصيات الأسطورية إضافة إلى اهتمامهما بالأسطورة عامة لان الشخصية الأسطورية توحي من خلال توظيفها في القصيدة بما في الأسطورة من دلالات وتكثيف للمعنى المطلوب وعلى هذا الأساس وردت في شعرهما أسماء شخصيات أسطورية تنم عن اطلاعهما واهتمامهما بالأساطير الإغريقية والرومانية وغيرها.
الأسطورة بين نازك والسياب:
نحاول في هذا البحث الوقوف على استخدام الأساطير الإغريقية والرومانية وغيرها من غير العربية والإسلامية في شعر نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وستكون وقفتنا أكثر اهتماما بالأساطير المشتركة بين الشاعر والشاعرة مما وجد في غير التراث العربي والإسلامي والمسيحي حتى لا تتشعب خطوط البحث ويتضخم وسينحصر استقراؤنا بالأساطير الإغريقية والرومانية والبابلية المشتركة وهذا لا يعفينا من ذكر الرموز الأسطورية غير المشتركة بينهما نوردها على سبيل الذكر لا التحليل ولا ننسى إن نشير إلى إن الباحثين درسوا الأسطورة في شعر السياب دراسة تفصيلية ولا حاجة هنا إلى التكرار ولذلك ستكون وقفتنا أطول عند الأسطورة في شعر نازك نرصد تطورها ونلج غالى الرموز المشتركة بينهما ندرسها ونحاول بيان الأسبق أو الأكثر فينة في استخدام بعض الرموز المشتركة ويبدو إن دراسة الأسطورة في شعر نازك ظل بعيدا عن متناول الدارسين إلا ما ندر ويعزو الدكتور علي جواد الطاهر ذلك إلى أن نازك ليست مادة لموضوع الأسطورة والإعلام والرموز (12).
ونحن نرى أن شعر نازك فيه مادة طيبة في مجال البحث عن الأساطير لما فيه من دلالات ورموز أسطورية وأسماء شخصيات استلت من أساطير الإغريق والرومان أطلقت نازك على بعضها في مقدمة ديوانها (شظايا ورماد) تسمية بضع لكلمات أوربية.
وعلى هذا الأساس يمكن التأكيد على إن نازك استخدمت الرموز الأسطورية قبل عام 1950 وخاصة في مطولتها (مأساة الحياة 1945 وهذا تاريخ له أثره المهم في مجال الوعي باستخدام الأساطير في شعرنا العربي الحديث في العراق ولكن السبق الزمني شيء والتوظيف الفني شيء آخر ولعل استخدام نازك للأساطير في هذه المرحلة كان باهتا ضعيف الأثر في بناء القصيدة الفني بل يكاد يكون حرفيا ساذجا ليس له معنى خاص خارج الأسطورة القديمة... لا يعدو أن يكون ركنا في تشبيه أو حد الاستعارة... ويبدو في الحالتين مقحما على السياق الشعوري في القصيدة وذا الحديث الأسطوري أيضا مجرد سرد قصصي للأسطورة لم تتمكن الشاعرة آنذاك من تلوينه بأية ظلال شخصية تضفيها على المغزى الأصلي للأسطورة (13).
إن هذا في اعتقادنا عيب من عيوب الريادة ونازك هي الرائدة الأولى للأسطورة في الشعر العراقي الحديث ولابد من الوقوع في دائرة الضعف إذا ما عرفنا أن الاهتمام بالأساطير لديها كان عام 1945.
ولو تتبعنا الشاعرة بعد عام 1950 لوجدنا أن وعيها الأسطوري أخذ منحى آخر فيه شيء من العمق والتمثل الفني للأسطورة وهذا يلمح إلى إن الشاعرة استعجلت الأمر وأخرجته قبل أن يختمر ولكنها سجلت سبقا زمنيا على زملائها في مجال الاطلاع على الأساطير.
قلنا أن الشاعرة لم تعط لنفسها الوقت الكافي لاستبطان الأساطير وتمثلها على العكس من بدر شاكر السياب الذي تعامل مع الأساطير بوعي لا نظير له وبقدرة يحسد عليها في مجال التمثيل والفهم للأساطير ولقد أفاد السياب مما وقعت به نازك من عيوب ثم انه لم يستعجل الأمور فلم يخرجها إلا بعد أن تمكن منها مما جعل توظيفه للأساطير ذا شأن في بناء القصيدة مع تأخره زمنيا عن الشاعرة بسنوات والمهم كما يقول د.علي جواد الطاهر في هذا المجال إن بدر شاكر السياب تمكن من أداته وشرع يقدمها سمحة مطواعة يكسب بها ما كسبه الشاعر الغربي مثله... ثم قد يصل الباحث إلى بيان السابق أو الأسبق من شعراء الشعر الحر في العراق إلى هذه الظاهرة ومكان بدر شاكر السياب مضمون على أية حال وذا كان غيره (وأفكر ببلند ونازك الملائكة) بدأ الطريق إلى غير علم ببدر أو على غير اعتراف بعمله فالممكن أنه زاد من الاستخدام عندما رأى نجاحها عند بدر. (14)
أن الدوافع إلى استخدام الأساطير في اعتقادنا مشتركة بين السياب ونازك بل الشعراء الرواد في العراق جميعا هي دوافع فنية وفكرية وسياسية واجتماعية فبعد أن أدرك السياب والملائكة حاجتهما إلى أسلوب في التعبير عما يدور في خلجاتهما وهوا جسهما الشخصية وافكارهما ومواقفهما السياسية والاجتماعية دون أن يلحق بهما أذى أو يواجها برد فعل عنيف من الأطراف المعنية التجأ كل من الشاعر والشاعرة إلى استخدام الرموز الأسطورية في شعرهما وقد أبدع الاثنان في هذا المجال (15).
ولو درسنا الظروف التي كان يمر بها العراق آنذاك لوجدناها ظروفا قاسية في المجال السياسي والاجتماعي والفكري وكانت لهذه الظروف مردودات سلبية على الشعراء في تلك الفترة نعني منذ نهاية الأربعينات حيث كانوا يعانون من قوى التسلط والظلم والرعب التي كانت تحكم البلاد وقوى الشر التي تحكك العالم وعلى الرغم من أن الشعراء العراقيين قد عبروا عن تلك الظروف في أغلب قصائدهم إلا أنهم في الوقت نفسه كانوا متفائلين ويحلمون بشمس الحرية والثورة على الطغيان ولعل السياب كان أكثر هؤلاء الشعراء تعبيرا بوساطة الرموز الأسطورية عن الجدب السياسي والفكري الذي يعيشه العراق وبعد ثورة 1958 أصبح السياب أكثر اهتماما بالأساطير خاصة بعد فترة مرضه للتعبير عن حرمانه وغربته ومرضه وانتظاره الموت... نراه يستخدم موازنة بين متضادين رغم تناقضهما: أساطير العذاب والموت وأساطير الخصوبة والنماء. (16)
والمهم أن الشاعرين طمحا إلى التكثيف والتركيز ونبذ المباشرة والتقريرية التي شاعت لدى شعراء مطلع القرن العشرين ليجعلا من القصيدة عالما من الإسرار والرموز التي لا تعطي نفسها بسهولة للمتلقي حتى يصبح له دور في مجال التأمل والاحتراف والفهم ونحن لا ننفي أن بدر كان متمكنا من أدائه مدركا لخطواته في هذا الشأن لم يلج عالم الأساطير لمجرد اطلاعه عليها فقط كما فعلت نازك بل تأملها جيدا بعد أن اطلع على الأدب الانكليزي وعلى شعر ت.س.اليوت واديث سيتويل بوجه خاص وكان له الفضل الأكبر في قيادة خطواته نحو المنهج الصحيح في استخدام الأساطير (17).
ولعله استثمر جهود نازك في هذا المجال وطورها وأفاد منها معتمدا على اطلاعه وقوة شاعريته وقدراته الفنية التي تفوق بها على غيره من الشعراء.
أن مما يلفت النظر في قضية استخدام الأسطورة في شعر نازك أمران:
الأول: إن الرموز والإشارات الأسطورية تكاد تتركز في بواكير شعرها من الناحية الزمنية أما في المراحل اللاحقة فإنها كما يبدو قد عزفت عن تلك التقنية الشعرية واضعة ثقلها الإبداعي على الرموز ذات الدلالة الخاصة والبناء الشعري ذي السمة الرمزية وكان الشاعرة قد أدركت أنها لم تستطع إن تضاهي ما قدمه زميلاها الشاعران السياب والبياتي (18).
وهذا ما يأخذ بأيدينا إلى الأمر الثاني: وهو أن نازك لم تدرك شأو الشاعر بدر شاكر السياب في مجال توظيف الأسطورة فنيا في شعرها وهذا في ظننا يعود إلى أسباب متعددة ذكرنا بعضا منها في الصفحات السابقة ونلفت النظر إلى أمر مهم لم يقف عنده الدارسون أبدا وأعني اقتصار نازك على توظيف الأسطورة في شعرها (العمودي) عامة وهذا في اتقادنا يشكل خللا كبيرا في مجال الإبداع الفني.
فليس من المعقول أن تستخدم الشاعرة أسلوبا جديدا لم يألفه الشعر العربي سابقا وهي تطمح الى تغير النوع الادبي من التقليد الى التجديد ثم توظف هذا في قصيدة غنائية تقليدية مما يحيله غالى استخدام محدود غير متوالد وهي في ذلك تشبه الشاعر أحمد شوقي الذي ادخل نوقا شعريا جديدا إلى لشعرنا العربي ولكنه ظل يدور في إطار القصيدة الغنائية بينما يتطلب الشعر المسرحي شعرا دراميا حتى تحولت المسرحية الشعرية لديه إلى قصيدة غنائية تتوزع على شخصيات المسرحية يتحكم بها العروض والبحر الشعري والقافية ولقد كانت مسرحيات شوقي تستجيب إلى الشعر فتتحول إلى قصائد جميلة ومقطوعات منفصلة يثقلها الاستطراد والتفكك وتفتقد النمو الدرامي المطلوب... إن المأزق الرئيسي والأشكال الأساس في شعر شوقي المسرحي (وتلاميذه من بعده) يكمن في محاولتهم الوصول إلى التطور الشعري الخارجي (الشكل المسرحي) قبل تحولهم الشعري الداخلي الضروري (الحداثة) فكانوا يعالجون فنا متطورا بأدوات متخلفة ورؤية قديمة.(19)
وهكذا كانت نازك الملائكة في مجال توظيف الرموز الأسطورية قد أدخلت الجديد في إطار قصيدة عمودية غنائية مألوفة ونحن هنا لا ننسى أن الشاعر المبدع أكبر من كل قيد ولكنه لإبداعه لا تفوته فرصة الإتيان بالجديد بوسائل جديدة أيضا ويبدو أن نازك لم تحمل قضية التجديد في مجال استخدام الأساطير في بواكير شعرها على محمل الجد أو أنها لم تمثلها تمثلا عميقا أو تدرك ما فيه من جديد أو لأنها أول من استخدم هذا الجديد بما نسميه بعيوب الريادة ولم افترضنا أن نازك أخر من استخدم الأساطير من الرواد هل سيكون توظيفها للرموز الأسطورية بمثل هذا المستوى الذي هي عليه؟ هذا مانشك فيه.
والمهم أن نازك بالرغم من استخدامها لأسماء شخصيات أسطورية في ديوانها الثاني (شظايا ورماد) نراها تشير إلى تلك الأسماء فقط دون الوقوف عندها وبيان دوافع استخدامها وكان مناسبا لو حدثتنا عنها في مقدمتها القيمة لهذا الديوان ويمكن القول أنها استعملتها كما تستعمل أية لفظة لديها أي إنها لم تفكر لدى الاستعمال ببلاغة خاصة لوقعها وبإدخال جديد على الشعر العربي ثم استعمالها لم يكن ذا أثر في الآخرين.. وإنها لم تلتزمه صفة ويكفي أنها نشرت ديوانا من أهم دواوينها هو (قراره الموجة) 1957 دون أن تدل على اهتمام بالأسطورة (الاغريقية). (20)
وهي في هذا تختلف عن السياب الذي ابتدأ بتوظيف الأساطير دون أن ينتهي منها وظل متحمسا لها حتى اواخر أيامة لانه استخدمها عن وعي بمعنى التجديد وعن أدراك واستبطان لها وأجاد فيها أيما إجادة لأنه كان يضع قدمه على الأرض الصلبة التي تساعده على الندفاع في هذا المضمار وابتكار ما هو رائع في هذا الشأن ولقد لجأ إلى استخدام الرمز الأسطوري مؤمنا بقيمته الفنية(21)
وانصب جزء من اهتمامه بتعريف القارئ العربي بتلك الرموز الأسطورية أو أسماء الشخصيات الأسطورية حتى يستوعب المتلقي ما يريده الشاعر و إذا كان بدر متمثلا لهذه الإعلام والأساطير فانه يعلم أن أغلب القراء لم يسمعوا بها مع انه شاعر شعب ويطمح أن يكون شعبيا (22)
وكانت نازك أيضا تعرف بأسماء الإعلام الأسطورية وغيرها في نهاية دواوينها أو في الهوامش كما فعلت في شظايا ورماد ولكن السياب كان أكثر اهتماما منها بتعريف الأساطير.
أشرنا فيما سبق إن اهتمامنا سينصب على الاساطير الإغريقية والرومانية وغيرها مما لا صلة له بالدين الإسلامي والمسيحي والتراث العربي لدى كل من نازك والسياب ونحن نعقد مقارنة بينهما في مجال توظيف الاساطير في شعرهما ثانيا ونعزو سبب ذلك إلى إن الأساطير الإغريقية درست دراسة وافية من لدن الباحثين الأوربيين وهذا يعني أنها متاحة للاستلهام الأدبي والفني على نحو أفضل وهذا هو واقع الحال في الثقافات والآداب الأوربية التي تشكل جزءا أساسيا من المكونات الثقافية والأدبية لنازك (23) السياب.
ويبدو أن توظيف الاساطير لدى نازك توظيفا أدبيا لم يأت إلا بعد الخمسينات عندما اتخذ الرمز الأسطوري لديها مستويين الأول: استخدام أسماء الشخصيات الأسطورية مثل: ابولو apollo واريس ares وبلوتو Pluto ونارسيس... naressus الخ، والثاني: استلهام الاسطورة كاملة أي استثمار البناء القصصي للأسطورة أو الفكرة العامة لها في توقيعه شعرية كاملة مثل أسطورة (نهر النسيان) و(بلاوتس) وغيرها فالشاعرة في قصيدتها نهر النسيان مثلا لم توظف الاسطورة مادة وشخوصا بل أنها اتكأت على فكرتها العامة ومزجتها بتجاربها الشخصية ومعاناتها فلم تكن الإشارة طافية على سطح القصيدة يمكن استبدالها بأي رمز أسطوري مناسب دون أن يختل المعنى أو يضطرب بناء القصيدة. (24)
أن الرموز الأسطورية التي وظفتها نازك توظيفا عاما وجعلتها مادة أساسية في بناء القصيدة يمكن أن نحددها في بواكير شعرها المتأثر بالشعر الأوربي وخاصة في مطولتها الشعرية في صورتها الثانية (أغنية للإنسان) 1950 وسنقف عند تلك القصائد وغيرها عند المقارنة بينهما وبين السياب ولعل من المفيد أن نذكر هنا أن رموزا أسطورية مشتركة بين نازك والسياب يمكن أن نستعرضها ونقف عندها لأنها مادة البحث الأساسية وهناك رموز انفرد فيها كل منهما سنكتفي بذكرها فقط حتى نقي البحث الطالة والتشعب والخطل وسنحدد في الجدول التالي أهم الرموز المشتركة بين نازك والسياب:
[right]
في الشعر بين نازك والسياب
د. رباب هاشم حسين / كلية التربية / جامعة بغداد
المقدمة
بعيدا عن محاولتنا ولوج عالم الأسطورة ورموزها يجدر بنا الإحاطة بمجمل الدوافع التي دعت الشاعر المعاصر إلى اللجوء إلى ذلك التراث الإنساني الموغل في القدم ليستلهم منه تلك الأجواء الروحية العميقة وملامح البطولة الإنسانية المتفردة التي تجسدت بأفعال الشخصيات الأسطورية وتطلعاتها ومواقفها إزاء الحياة الإنسانية وما يحيط بها من غموض وتعقيد.
وإذا كانت الأساطير في مضمونها العام حكايات أو قصص غارقة في الخيال والتصورات الخرافية بوصفها مجافية للمنطق الحضاري الحديث فكيف يمكن أن يكون اللقاء بين الشاعر المعاصر وصانع الأسطورة؟ إن نظرة فاحصة متعمقة في صميم العمل الشعري والبناء الأسطوري تظهر لنا بجلاء مدى الصلات الحميمة التي تربط بين هاتين الظاهرتين . ولعل أبرز تلك الصلاة هي البناء اللغوي وأسلوب الأداء التعبيري اللذان يتجاوزان حالة التشابه إلى حالة مهمة من التطابق الذي يثير في أذهاننا الاعتقاد بأننا ورثنا من إنسان بتلك الثقافة الأسطورية البدائية الكيفية اللغوية التي كان يعبر بها عن تصوره وإدراكه للواقع وإننا برغم ما نملك من نظرة موضوعية ما زلنا نحتفظ بتلك اللغة المفعمة بالحياة والرموز ولعل الصفة الأسطورية للتراكيب اللغوية والمفردات اللفظية من المسلمات التي يقوم عليها العلم الحديث في أصل اللغة.
فضلا عن ذلك كله إن البناء الأسطوري لا يتضمن عنصرا نظريا أو فكريا فحسب بل انه يحمل عنصرا فنيا ذا طابع إبداعي على نحو ما يقول كاسيرر وأول ما يلفت انتباهنا في الأسطورة هو صلتها الوثيقة بالشعر ذلك أن عقل مبدع الأسطورة عقل شاعر بل إن الشاعر وصانع الأساطير يعيشان في عالم واحد فلم تعد الأسطورة مرتبطة بمرحلة تاريخية بدائية لان الفن لا ينقد إطلاقا الخيال ألغرائبي الذي تصوره الأساطير بل يتجدد مع كل فنان عظيم في كل العصور.
إن الأسطورة بما تنطوي عليه من طاقات إبداعية فاعلة ومؤثرات تكسب الشعر قدرات فنية ودلالية من خلال خلق علاقات لغوية عميقة السعة والشمول بحيث تصبح بنية القصيدة نسيجا فريدا من الدلالات والرموز التي تحيل إلى ذلك العالم الغامض الخفي الذي يتوخى الشاعر تجسيده على المستويات الفكرية والنفسية والإنسانية وعن طريق الأسطورة وما تتضمن من عطاء فني وتاريخي تكون إسقاطات الشاعر الرامزة التي تجعله يوظف الأسطورة توظيفا رامزا يكون في وسعه تخليص اللغة الشعرية من غنائيتها الفجة بواسطة استحداث معادل موضوعي بين الذاتية والموضوعية والانطلاق بالتجربة الفردية إلى مستوى التجربة الإنسانية الكلية.
ولعل القارئ الكريم لا يستغرب أن يستخدم السياب الرموز الأسطورية في شعره لأنه أغرم بها وتوسع في توظيفها منذ بواكيره وقد يتعجب من توظيف الرموز الأسطورية في شعر نازك الملائكة لان نازك في دراسات الباحثين عزفت عن استخدام الأساطير أو الاهتمام بها وهذا ما دفعنا إلى تأليف هذه الدراسة التي تعقد موازنة بين قدرة السياب الفنية في توظيف السياب للرموز الأسطورية لتجسيد معالم الموت التاريخي وضرورة الانبعاث من خلال الثورة والتضحية بل عبر عن قضايا إنسانية كبرى لها صلة مباشرة بحاضر الإنسان ومستقبله في حين إن الرموز والإشارات الأسطورية في شعر نازك تكاد تتركز في بواكير شعرها من الناحية الزمنية أما في المراحل اللاحقة فإنها كما يبدو قد عزفت عن تلك التقنية الشعرية واضعة ثقلها على الرموز ذات الدلالة الخاصة والبناء الشعري ذي السمة الشعرية ولقد حاولت استقراء كل الرموز الأسطورية التي وظفتها نازك في شعرها لجاعل القارئ على بينة حول طبيعة ذلك التوظيف ثم قارنت بين توظيف السياب الفني للرموز الأسطورية وتوظيف نازك لرفع الحيف عن الإهمال الواضح لظاهرة استخدام الرموز الأسطورية في شعر نازك الملائكة.
توظيف الرموز الأسطورية في الشعر بين نازك والسياب
الرموز الأسطورية في الشعر العربي الحديث الدوافع والمؤثرات:
لا يخفى أن من المنجزات المهمة في حركة الشعر الحر على يد الرواد استخدام الأساطير رموزا يوظفونها في بناء القصيدة لتعبر عن أفكار ومعان عميقة وعن رؤى ومضامين طريفة ومكثفة لم يألفها القارئ العربي قبل خمسينات هذا القرن وبدأت تحتل لدى الشعراء المتأثرين بالأدب الأوربي حيزا كبيرا في الخمسينيات والستينيات... وخاصة في الإنتاج الشعري إلى الحد الذي جعل خليل حاوي يعد استعمال الأسطورة في الشعر الحديث من أهم صفاته (1)
ولعلنا لانعدم البحث عن أساطير ودت في الشعر العربي القديم ولأجرم أن نعثر على رموز أسطورية في الشعر العربي الحديث قبل الرواد ولاسيما لدى جماعة الديوان وابولو ولكن الاستخدام لدى الشعراء الرواد في العراق أخذ اتجاها أخر أكثر عمقا وأوسع أفقا وأبعد نظرا وأكبر كما ومما لاشك فيه أن هؤلاء الشعراء قد تثقفوا بالثقافة الأجنبية وأطلقوا على الأدب الأوربي عامة والشعر الغربي خاصة لان شعرهم كما يبدو استقى من الشعراء الأوربيين فكرة استخدام الاساطير وعلى الرغم من أن الاساطير نتاج (إغريقي أو روماني) لكنه أصبح فيما بعد تراثا أوربيا يتبناه الشعراء الغربيون ويوظفونه في شعرهم ولكنه تراث طبيعي للغربيين أولا ولكن شعراءنا سارو إليه بدافع التقليد وبدعوى التجديد(2)على رأي الدكتور علي جواد الطاهر.
إن الشعراء العرب الذين لجأوا إلى استخدام الرموز الأسطورية في شعرهم مطلع هذا القرن تأثرا بالشعر الغربي واقتباسا لأساليبه كانوا يدركون تماما إن واقعهم وظروفهم السياسية والفكرية آنذاك هو واقع مشابه للواقع الذي أشار إليه ت.س. اليوت في قصيدته الأرض الخراب وحين تكون الأرض الخراب بالنسبة ل(ت.س.اليوت) المدينة الخيالية (اليوتوبيا) بكل ما فيها فالأرض الخراب بالنسبة للشعراء العرب هي أرض بلادهم التي غزتها الحضارة الجديدة وبالتالي فقدان الناس فيها لهويتهم الأصيلة وبما أن الأرض الخراب في قصيدة اليوت تسترد عافيتها بوعد هطول المطر في الجزء الأخير منها فالشعراء العرب قد استفادوا من هذه الفكرة في أسطورة ادونهيس ولذا فان خلاصهم يتحقق حسب اعتقادهم من خلال التضحية ويتضح ذلك مثلا لدى الشاعر يوسف الخال الذي يرى أن تجاوز الواقع المر إلى مستقبل مشرق لن يكون إلا من خلال الموت (التضحية) الذي يتبعه واقع جديد (البعث) وانطلاقا من هذا المبدأ لجأ يوسف الخال إلى توظيف أسطورة 0تموز) لما فيها من دلالة رمزية كان ينشدها.
ومن أوائل الذين أفادوا من أسطورة تموز وتوظيفها في الشعر العربي بدر شاكر السياب وعلى أحمد سعيد الذي لقب نفسه ب(أدونيس) وهو الاسم الإغريقي ل(تموز) ففي قصيدته البعث والرماد (1957) خير مثال على التعبير عن موقفه السياسي تجاه واقعه.(3)
ومن الطبيعي إن تتحدد دوافع استخدام الاساطير بين التقليد للشعراء الغربيين أمثال ت.س.اليوت t.s.eliot واديث سيتويل edith sitwell وجون كيتس gohn keats وشيللي shelley وغيرهم وبين البحث عن الأبعاد والدلالات الرمزية أو الرجعة إلى الحياة البدائية الساذجة للتخلص من تعقيد الحياة أو البحث عن معين فني بعيد عن مادة الحياة فيه غذاء للخيال وانطلاق من حدود العقل (4). ومن الجدير بالإشارة أن الشعراء الرواد – وخاصة السياب والبياتي – حين استخدموا الاساطير أضافوا إضافة نوعية إلى الشعر العربي التحديث وحسبهم أنهم وظفوه في كيان قصيدة عربية مكتوبة بلغة عربية وأفكار عربية وجها ولسانا بالرغم من التأثر بالشعراء الأوربيين ولقد نجحوا أيما نجاح.
إن قضية التأثر والتأثير واردة هنا ولا ضير فيها في ظننا لان الاساطير أصبحت تراثا عالميا وانسانيا فيها من شمول الدلالة والعمق ما يجعل الشاعر العربي يوظف رموزا أسطورية توحي بما هو أكبر من المساحة التي تحتلها من اللفظ (5). ولكن استخدام الاساطير كما يرى د. علي البطل لا يعد في ذاته ظاهرة تستحق الاهتمام بقدر ما يستحقه الجديد في الاعتماد على الأسطورة وجعلها عنصرا فاعلا من عناصر القصيدة الحديثة لا تزيينا أو زخرفا بلاغيا (6). وهذ ما طمحنا إلى ألفات النظر إليه في مستهل هذا البحث لان تبني الاساطير فنيا لا يتأتى بسهولة لكل شاعر ما لم يفهم الأبعاد الإنسانية والمعاني الفكرية العميقة للأساطير القديمة وامتلاك دلالاتها مثلما يمتلك تجربته الشعرية وصياغته الفنية.
الرموز الأسطورية في شعر الرواد في العراق:
ما يهمنا – إذن – أن استخدام الرموز الأسطورية في شعر الرواد كانت قضية تستحق البحث لأنها ظاهرة مهمة من ظواهر هذا الشعر لما فيها من دلالات خاصة حاول الشعراء من خلالها تفجير الدلالة المطلوبة في إطار السياق الشعري ليؤكدوا الأحاسيس والمعاني والأفكار التي يحملونها في جنباتهم من خلال المواءمة بين الرمز والسياق الفني بمعنى توظيف الشاعر لرمزه الأسطوري انسجاما مع السياق الفني لقصيدته ولولا ذلك لتحولت القصيدة إلى (ترقيع) غير متجانس فنيا.
ولقد تفاوت الشعراء الرواد في أساليب استخدامهم للرموز الأسطورية فمنهم من ذكر شخصية من شخصيات الأسطورة ومنهم من اتكأ على معناها العام دون أن يذكرها ومنهم من ذكرها وأفاد من مغزاها العام.
كل حسب قناعاته ودوافعه وذلك لما في الأساطير من طاقة رمزية تمنح الشاعر مجالا للتعبير ليفصح عن أفكاره على نحو فني يبعد القصيدة عن المباشرة والسطحية من جهة وينأى بالشاعر أحيانا أن يكون عرضة للأذى والملاحقة (7). وهذا يشير إلى أن للظروف السياسية والاجتماعية دورا في هز كيان الشاعر أمام هذا القلق الحضاري وتبدل القيم والعلاقات الإنسانية.
يبدو أن الشعراء الرواد كانوا على صلى بالثقافة الأوربية والأدب الغربي وأخص بالذكر هنا نازك الملائكة والسياب فقد اطلعوا مثلا على كتاب الغصن الذهبي لجيمس فريزر وعلى بعض المعاجم الميثولوجية المترجمة وغير المترجمة فالسياب على سبيل المثال توزعت لديه المصادر الأسطورية وتنوعت بين مؤثرات ثقافية لشعراء أوربيين وبين مؤثرات ميثولوجية قديمة لكتب وأساليب أدبية حوت مضامينها دلالات اجتماعية وإنسانية كثيرة.(8)
يتفق مجمل الباحثين على إن السياب هو أول الشعراء الرواد من العراقيين استخداما للأساطير في شعره في مجال الرصد التاريخي وهذا مما شاع لدى شريحة كبيرة من القراء وحقيقة الأمر أن نازك الملائكة هي الأسبق إذا أردنا التسلسل الزمني ومما يدل على ذلك ورود أسماء شخصيات أسطورية في شعرها منذ عام 1945 في قصيدتها الطويلة مأساة الحياة في صورتها الأولى وذا ورد (ابولو) حوالي عام 1945 فانه يرد عابرا عاما في مأساة الحياة أي من غير الموحيات البلاغية المطلوبة وربما كان (بلاوتس) اله الذهب عام 1950 مثله أو قريبا منه (9).
وفي مقولتها أغنية للإنسان 1950 أسماء شخصيات أسطورية متعددة أيضا ومما يؤكد اهتمام نازك بالأساطير الإغريقية وغيرها ما ذكرته د.حياة شرارة من أن نازك الملائكة درست اللغة اللاتينية منذ عام 1950 والذي يدرس اللغة اللاتينية يطلع بالضرورة على الأدب الروماني وما فيه من أساطير تقول واصلت نازك دراسة اللغتين اللاتينية والفرنسية وظلت تحفظ قوائم تصريف الأفعال وتغيرات نهايات الأسماء اللاتينية وفي الوقت نفسه بدأت بكتابة ملحمة أدخلت فيها أساطير عربية وإغريقية وبابلية ووجدت أنها بدأت بمرحلة جديدة في تطور شاعريتها (10).
وهذا أيضا و أكدته نازك نفسها في مقابلة شخصية معها عام 1984 (في الكويت) حينما سئلت عن الأسماء الأسطورية التي وردت في شعرها هل جاءت بسبب اطلاعها المباشر على المصادر الأجنبية أم تعرفت عليها من خلال الشعر الانكليزي؟
أجابت كل هذه الأسماء وسواها استعملتها لأنني أعرف الميثولوجيا الإغريقية من أصغر تفاصيلها إلى أكبرها درستها دارسة مفصلة في فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة عام 1942 (11).
ولعل نازك في حديثها السابق قد بالغت بعض الشيء في هذا الشأن ولكنه يدل بلا شك على اطلاع ما على الأساطير اليونانية.
إن ما ذكرته د.حياة شرارة وغيرها من الباحثين وتواريخ قصائد نازك نفسها أعني مطولتها تدل دلالة واضحة على أسبقية نازك الملائكة في مجال استخدام الأساطير مقارنة بالسياب الذي بدأ باستخدام الأساطير بعد عام 1952 كما هو معروف في مطولته الرائعة (المومس العمياء) بسبب تأثره بالشعر الأوربي كما اشرنا سابقا ولقد اهتم السياب ونازك اهتماما خاصا بالشخصيات الأسطورية إضافة إلى اهتمامهما بالأسطورة عامة لان الشخصية الأسطورية توحي من خلال توظيفها في القصيدة بما في الأسطورة من دلالات وتكثيف للمعنى المطلوب وعلى هذا الأساس وردت في شعرهما أسماء شخصيات أسطورية تنم عن اطلاعهما واهتمامهما بالأساطير الإغريقية والرومانية وغيرها.
الأسطورة بين نازك والسياب:
نحاول في هذا البحث الوقوف على استخدام الأساطير الإغريقية والرومانية وغيرها من غير العربية والإسلامية في شعر نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وستكون وقفتنا أكثر اهتماما بالأساطير المشتركة بين الشاعر والشاعرة مما وجد في غير التراث العربي والإسلامي والمسيحي حتى لا تتشعب خطوط البحث ويتضخم وسينحصر استقراؤنا بالأساطير الإغريقية والرومانية والبابلية المشتركة وهذا لا يعفينا من ذكر الرموز الأسطورية غير المشتركة بينهما نوردها على سبيل الذكر لا التحليل ولا ننسى إن نشير إلى إن الباحثين درسوا الأسطورة في شعر السياب دراسة تفصيلية ولا حاجة هنا إلى التكرار ولذلك ستكون وقفتنا أطول عند الأسطورة في شعر نازك نرصد تطورها ونلج غالى الرموز المشتركة بينهما ندرسها ونحاول بيان الأسبق أو الأكثر فينة في استخدام بعض الرموز المشتركة ويبدو إن دراسة الأسطورة في شعر نازك ظل بعيدا عن متناول الدارسين إلا ما ندر ويعزو الدكتور علي جواد الطاهر ذلك إلى أن نازك ليست مادة لموضوع الأسطورة والإعلام والرموز (12).
ونحن نرى أن شعر نازك فيه مادة طيبة في مجال البحث عن الأساطير لما فيه من دلالات ورموز أسطورية وأسماء شخصيات استلت من أساطير الإغريق والرومان أطلقت نازك على بعضها في مقدمة ديوانها (شظايا ورماد) تسمية بضع لكلمات أوربية.
وعلى هذا الأساس يمكن التأكيد على إن نازك استخدمت الرموز الأسطورية قبل عام 1950 وخاصة في مطولتها (مأساة الحياة 1945 وهذا تاريخ له أثره المهم في مجال الوعي باستخدام الأساطير في شعرنا العربي الحديث في العراق ولكن السبق الزمني شيء والتوظيف الفني شيء آخر ولعل استخدام نازك للأساطير في هذه المرحلة كان باهتا ضعيف الأثر في بناء القصيدة الفني بل يكاد يكون حرفيا ساذجا ليس له معنى خاص خارج الأسطورة القديمة... لا يعدو أن يكون ركنا في تشبيه أو حد الاستعارة... ويبدو في الحالتين مقحما على السياق الشعوري في القصيدة وذا الحديث الأسطوري أيضا مجرد سرد قصصي للأسطورة لم تتمكن الشاعرة آنذاك من تلوينه بأية ظلال شخصية تضفيها على المغزى الأصلي للأسطورة (13).
إن هذا في اعتقادنا عيب من عيوب الريادة ونازك هي الرائدة الأولى للأسطورة في الشعر العراقي الحديث ولابد من الوقوع في دائرة الضعف إذا ما عرفنا أن الاهتمام بالأساطير لديها كان عام 1945.
ولو تتبعنا الشاعرة بعد عام 1950 لوجدنا أن وعيها الأسطوري أخذ منحى آخر فيه شيء من العمق والتمثل الفني للأسطورة وهذا يلمح إلى إن الشاعرة استعجلت الأمر وأخرجته قبل أن يختمر ولكنها سجلت سبقا زمنيا على زملائها في مجال الاطلاع على الأساطير.
قلنا أن الشاعرة لم تعط لنفسها الوقت الكافي لاستبطان الأساطير وتمثلها على العكس من بدر شاكر السياب الذي تعامل مع الأساطير بوعي لا نظير له وبقدرة يحسد عليها في مجال التمثيل والفهم للأساطير ولقد أفاد السياب مما وقعت به نازك من عيوب ثم انه لم يستعجل الأمور فلم يخرجها إلا بعد أن تمكن منها مما جعل توظيفه للأساطير ذا شأن في بناء القصيدة مع تأخره زمنيا عن الشاعرة بسنوات والمهم كما يقول د.علي جواد الطاهر في هذا المجال إن بدر شاكر السياب تمكن من أداته وشرع يقدمها سمحة مطواعة يكسب بها ما كسبه الشاعر الغربي مثله... ثم قد يصل الباحث إلى بيان السابق أو الأسبق من شعراء الشعر الحر في العراق إلى هذه الظاهرة ومكان بدر شاكر السياب مضمون على أية حال وذا كان غيره (وأفكر ببلند ونازك الملائكة) بدأ الطريق إلى غير علم ببدر أو على غير اعتراف بعمله فالممكن أنه زاد من الاستخدام عندما رأى نجاحها عند بدر. (14)
أن الدوافع إلى استخدام الأساطير في اعتقادنا مشتركة بين السياب ونازك بل الشعراء الرواد في العراق جميعا هي دوافع فنية وفكرية وسياسية واجتماعية فبعد أن أدرك السياب والملائكة حاجتهما إلى أسلوب في التعبير عما يدور في خلجاتهما وهوا جسهما الشخصية وافكارهما ومواقفهما السياسية والاجتماعية دون أن يلحق بهما أذى أو يواجها برد فعل عنيف من الأطراف المعنية التجأ كل من الشاعر والشاعرة إلى استخدام الرموز الأسطورية في شعرهما وقد أبدع الاثنان في هذا المجال (15).
ولو درسنا الظروف التي كان يمر بها العراق آنذاك لوجدناها ظروفا قاسية في المجال السياسي والاجتماعي والفكري وكانت لهذه الظروف مردودات سلبية على الشعراء في تلك الفترة نعني منذ نهاية الأربعينات حيث كانوا يعانون من قوى التسلط والظلم والرعب التي كانت تحكم البلاد وقوى الشر التي تحكك العالم وعلى الرغم من أن الشعراء العراقيين قد عبروا عن تلك الظروف في أغلب قصائدهم إلا أنهم في الوقت نفسه كانوا متفائلين ويحلمون بشمس الحرية والثورة على الطغيان ولعل السياب كان أكثر هؤلاء الشعراء تعبيرا بوساطة الرموز الأسطورية عن الجدب السياسي والفكري الذي يعيشه العراق وبعد ثورة 1958 أصبح السياب أكثر اهتماما بالأساطير خاصة بعد فترة مرضه للتعبير عن حرمانه وغربته ومرضه وانتظاره الموت... نراه يستخدم موازنة بين متضادين رغم تناقضهما: أساطير العذاب والموت وأساطير الخصوبة والنماء. (16)
والمهم أن الشاعرين طمحا إلى التكثيف والتركيز ونبذ المباشرة والتقريرية التي شاعت لدى شعراء مطلع القرن العشرين ليجعلا من القصيدة عالما من الإسرار والرموز التي لا تعطي نفسها بسهولة للمتلقي حتى يصبح له دور في مجال التأمل والاحتراف والفهم ونحن لا ننفي أن بدر كان متمكنا من أدائه مدركا لخطواته في هذا الشأن لم يلج عالم الأساطير لمجرد اطلاعه عليها فقط كما فعلت نازك بل تأملها جيدا بعد أن اطلع على الأدب الانكليزي وعلى شعر ت.س.اليوت واديث سيتويل بوجه خاص وكان له الفضل الأكبر في قيادة خطواته نحو المنهج الصحيح في استخدام الأساطير (17).
ولعله استثمر جهود نازك في هذا المجال وطورها وأفاد منها معتمدا على اطلاعه وقوة شاعريته وقدراته الفنية التي تفوق بها على غيره من الشعراء.
أن مما يلفت النظر في قضية استخدام الأسطورة في شعر نازك أمران:
الأول: إن الرموز والإشارات الأسطورية تكاد تتركز في بواكير شعرها من الناحية الزمنية أما في المراحل اللاحقة فإنها كما يبدو قد عزفت عن تلك التقنية الشعرية واضعة ثقلها الإبداعي على الرموز ذات الدلالة الخاصة والبناء الشعري ذي السمة الرمزية وكان الشاعرة قد أدركت أنها لم تستطع إن تضاهي ما قدمه زميلاها الشاعران السياب والبياتي (18).
وهذا ما يأخذ بأيدينا إلى الأمر الثاني: وهو أن نازك لم تدرك شأو الشاعر بدر شاكر السياب في مجال توظيف الأسطورة فنيا في شعرها وهذا في ظننا يعود إلى أسباب متعددة ذكرنا بعضا منها في الصفحات السابقة ونلفت النظر إلى أمر مهم لم يقف عنده الدارسون أبدا وأعني اقتصار نازك على توظيف الأسطورة في شعرها (العمودي) عامة وهذا في اتقادنا يشكل خللا كبيرا في مجال الإبداع الفني.
فليس من المعقول أن تستخدم الشاعرة أسلوبا جديدا لم يألفه الشعر العربي سابقا وهي تطمح الى تغير النوع الادبي من التقليد الى التجديد ثم توظف هذا في قصيدة غنائية تقليدية مما يحيله غالى استخدام محدود غير متوالد وهي في ذلك تشبه الشاعر أحمد شوقي الذي ادخل نوقا شعريا جديدا إلى لشعرنا العربي ولكنه ظل يدور في إطار القصيدة الغنائية بينما يتطلب الشعر المسرحي شعرا دراميا حتى تحولت المسرحية الشعرية لديه إلى قصيدة غنائية تتوزع على شخصيات المسرحية يتحكم بها العروض والبحر الشعري والقافية ولقد كانت مسرحيات شوقي تستجيب إلى الشعر فتتحول إلى قصائد جميلة ومقطوعات منفصلة يثقلها الاستطراد والتفكك وتفتقد النمو الدرامي المطلوب... إن المأزق الرئيسي والأشكال الأساس في شعر شوقي المسرحي (وتلاميذه من بعده) يكمن في محاولتهم الوصول إلى التطور الشعري الخارجي (الشكل المسرحي) قبل تحولهم الشعري الداخلي الضروري (الحداثة) فكانوا يعالجون فنا متطورا بأدوات متخلفة ورؤية قديمة.(19)
وهكذا كانت نازك الملائكة في مجال توظيف الرموز الأسطورية قد أدخلت الجديد في إطار قصيدة عمودية غنائية مألوفة ونحن هنا لا ننسى أن الشاعر المبدع أكبر من كل قيد ولكنه لإبداعه لا تفوته فرصة الإتيان بالجديد بوسائل جديدة أيضا ويبدو أن نازك لم تحمل قضية التجديد في مجال استخدام الأساطير في بواكير شعرها على محمل الجد أو أنها لم تمثلها تمثلا عميقا أو تدرك ما فيه من جديد أو لأنها أول من استخدم هذا الجديد بما نسميه بعيوب الريادة ولم افترضنا أن نازك أخر من استخدم الأساطير من الرواد هل سيكون توظيفها للرموز الأسطورية بمثل هذا المستوى الذي هي عليه؟ هذا مانشك فيه.
والمهم أن نازك بالرغم من استخدامها لأسماء شخصيات أسطورية في ديوانها الثاني (شظايا ورماد) نراها تشير إلى تلك الأسماء فقط دون الوقوف عندها وبيان دوافع استخدامها وكان مناسبا لو حدثتنا عنها في مقدمتها القيمة لهذا الديوان ويمكن القول أنها استعملتها كما تستعمل أية لفظة لديها أي إنها لم تفكر لدى الاستعمال ببلاغة خاصة لوقعها وبإدخال جديد على الشعر العربي ثم استعمالها لم يكن ذا أثر في الآخرين.. وإنها لم تلتزمه صفة ويكفي أنها نشرت ديوانا من أهم دواوينها هو (قراره الموجة) 1957 دون أن تدل على اهتمام بالأسطورة (الاغريقية). (20)
وهي في هذا تختلف عن السياب الذي ابتدأ بتوظيف الأساطير دون أن ينتهي منها وظل متحمسا لها حتى اواخر أيامة لانه استخدمها عن وعي بمعنى التجديد وعن أدراك واستبطان لها وأجاد فيها أيما إجادة لأنه كان يضع قدمه على الأرض الصلبة التي تساعده على الندفاع في هذا المضمار وابتكار ما هو رائع في هذا الشأن ولقد لجأ إلى استخدام الرمز الأسطوري مؤمنا بقيمته الفنية(21)
وانصب جزء من اهتمامه بتعريف القارئ العربي بتلك الرموز الأسطورية أو أسماء الشخصيات الأسطورية حتى يستوعب المتلقي ما يريده الشاعر و إذا كان بدر متمثلا لهذه الإعلام والأساطير فانه يعلم أن أغلب القراء لم يسمعوا بها مع انه شاعر شعب ويطمح أن يكون شعبيا (22)
وكانت نازك أيضا تعرف بأسماء الإعلام الأسطورية وغيرها في نهاية دواوينها أو في الهوامش كما فعلت في شظايا ورماد ولكن السياب كان أكثر اهتماما منها بتعريف الأساطير.
أشرنا فيما سبق إن اهتمامنا سينصب على الاساطير الإغريقية والرومانية وغيرها مما لا صلة له بالدين الإسلامي والمسيحي والتراث العربي لدى كل من نازك والسياب ونحن نعقد مقارنة بينهما في مجال توظيف الاساطير في شعرهما ثانيا ونعزو سبب ذلك إلى إن الأساطير الإغريقية درست دراسة وافية من لدن الباحثين الأوربيين وهذا يعني أنها متاحة للاستلهام الأدبي والفني على نحو أفضل وهذا هو واقع الحال في الثقافات والآداب الأوربية التي تشكل جزءا أساسيا من المكونات الثقافية والأدبية لنازك (23) السياب.
ويبدو أن توظيف الاساطير لدى نازك توظيفا أدبيا لم يأت إلا بعد الخمسينات عندما اتخذ الرمز الأسطوري لديها مستويين الأول: استخدام أسماء الشخصيات الأسطورية مثل: ابولو apollo واريس ares وبلوتو Pluto ونارسيس... naressus الخ، والثاني: استلهام الاسطورة كاملة أي استثمار البناء القصصي للأسطورة أو الفكرة العامة لها في توقيعه شعرية كاملة مثل أسطورة (نهر النسيان) و(بلاوتس) وغيرها فالشاعرة في قصيدتها نهر النسيان مثلا لم توظف الاسطورة مادة وشخوصا بل أنها اتكأت على فكرتها العامة ومزجتها بتجاربها الشخصية ومعاناتها فلم تكن الإشارة طافية على سطح القصيدة يمكن استبدالها بأي رمز أسطوري مناسب دون أن يختل المعنى أو يضطرب بناء القصيدة. (24)
أن الرموز الأسطورية التي وظفتها نازك توظيفا عاما وجعلتها مادة أساسية في بناء القصيدة يمكن أن نحددها في بواكير شعرها المتأثر بالشعر الأوربي وخاصة في مطولتها الشعرية في صورتها الثانية (أغنية للإنسان) 1950 وسنقف عند تلك القصائد وغيرها عند المقارنة بينهما وبين السياب ولعل من المفيد أن نذكر هنا أن رموزا أسطورية مشتركة بين نازك والسياب يمكن أن نستعرضها ونقف عندها لأنها مادة البحث الأساسية وهناك رموز انفرد فيها كل منهما سنكتفي بذكرها فقط حتى نقي البحث الطالة والتشعب والخطل وسنحدد في الجدول التالي أهم الرموز المشتركة بين نازك والسياب:
[right]
الرمز | الأصل | الدلالة |
1. ادونيس | إغريقي | الخصوبة، الجمال، الدمومة |
2. ابولو | إغريقي | الشمس، الجمال، المعجزة |
3. ديميتر | إغريقي | الخصوبة، تعاقب الخصب مثل ادونيس |
4. نارسيس | إغريقي/روماني | عبادة الذات |
5. اللابرلث | إغريقي/روماني | الطريق الغريب، المتاهة، الضياع |
6. ميدوزا | إغريقي | القوة القاتلة، العيون المؤثرة (الشريرة) |
7. السيرين | إغريقي | الإثارة ، الإغراء ، الخداع |
8. فينوس | روماني | الجمال، الحب |
(أفروديت) | إغريقي | الجمال، الحب |
9. جوبتر (زيوس) | إغريقي (رماني) | الخصب ، العطاء (اله الرعد والأمطار) |
أما رموز نازك الأسطورية التي لا تشترك فيها مع السياب في اريس aresi اورورا aurorai دايانا dianai ليثي lethei مايدس midasi أولمب olympusi بلوتو plutoi تاييس thaisi يوتوبيا utopiai فيستا vestai فلكان vulcani فيكان... vica الخ...
ولدى السياب رموز كثيرة لا يشترك فيها مع نازك تناولها الباحثون بالدراسة منها:
أوديسيوس odysseusi وأوديبا oedipusi والكترا electrai وجوكاست gecastai وفاوست fausstusi وهييلين heleni وكونغاي kongaii ودافني daphnei وتنتالوس tantalusi وسيزيف sisyphusi وايكاروس lcarusi واورفيوس... Orpheus الخ...(26)
وقبل أن نعقد مقارنة بين نازك والسياب في مجال توظيف الاساطير لابد من استعراض تطور هذا التوظيف لدى نازك أولا ثم نعرج على السياب بعد ذلك مقارنين بينهما وذلك لنزر الدراسات التي كتبت عن الاسطورة في شعر نازك أما السياب فالدراسات كثيرة عنه في هذا المجال.
إن من أهم القصائد التي ضمت إشارات أسطورية في شعر نازك مطولتها الشعرية بصورها الثلاث 1945 – 1965 (27)
واحتوت عددا كبيرا من الرموز الأسطورية ذات الدلالات المحدودة أما بقية الإشارات الأسطورية في شعر نازك فيتوزع بين الأعوام 1949 – 1957 وأعني بين ديوانيها شظايا ورماد وقراره الموجة ثم تعزف بعد ذلك على العكس من السياب عن الرموز الأسطورية لأسباب نفسية وفكرية ولكنها تستعض عنها برموز دينية وتراثية مستمدة من التراث العربي والإسلامي والمسيحي.
وحتى نقرب أسلوب توظيف الاسطورة في شعر نازك من الممكن الاستشهاد بقصيدة صلاة إلى بلاوتس (28)
التي اعتمدت فيها نازك ثلاثة رموز أسطورية: الأول: بلاوتس plutus (29). والثاني: فلكان Vulcan (30). وهو اسم روماني ل(هيفستس Hephaestus) (الإغريقي. والثالث مايدس midas.) (31)
تستعرض نازك في مطلع قصيدتها (مطولتها) لهاث الإنسان المعاصر وراء الطمع والجشع في هذه الدنيا أو في واقعنا المعاصر من خلال الذهب بكل تداعياته ومن خلال ذلك تستنكر صورة (مايدس) الذي ساقته أطماعه ولهاثه وراء التبرالى ذلك المصير المأساوي الذي وصل إليه في نهاية القصيدة وقد بلغت فيه شهوة حب الذهب في مطلع القصيدة مبلغ الجنون إلى الحد الذي أصبح فيه كل شيء يذكره بالذهب هذا المعدن الثمين وأصبح كل ما يذكره به يثير في نفسه مشاعر الطمع المجنون حتى النجوم والبحر:
حدثيهم عن ذلك الملك الغابر (ميداس) كيف كان مصيره أين ساقته شهوة الذهب العمياء ماذا جني عليه غروره جن بالتبر لم يعد يعشق الأنجم إلا إذا أذكرته سناه وازرقاق الغيوم والبحر ما عاد مثيلا لحبه ورؤاه وتتصادم في أعماق نفس (ميداس) مشاعر الجشع المضني والهيمنة على كنوز الدنيا وهو يحلم بالكنز الذي سيحصل عليه ويتحقق له كل ما كان يرغب فيه حين منحه الإله (ديونيسيس Dionysus ) يدا تحول كل شيء إلى ذهب فالإزهار والأشجار والأنهار والأكل والشرب تحولت على يد هذا الملك المجنون بالتبر غالى ذهب بارد لا حياة فيه ولا يمنحه الحياة الخالدة التي كان يتمناها وتضل به الحال إلى قمة المأساة حين حول ابنته (نهاوند) إلى تمثال من ذهب بارد تقول: أيه ميداس أيها الملك الأحمق ماذا جنيت؟ أي غرور؟
ارقب ألان مطلع الفجر وانظر كيف عقبى خيالك المغرور في غد تستحيل أشجارك الحية تبرأ تعفه النداء وسواقي المياه تجمد صفراء كصحراء جف فيها الماء وحرير الستائر اللدن يغدو جامدا لا ليونه لا انثيال و(نهاوند) بنتك العذبة الجذلى ستغدو في لحظة تمثال فاشرب ألان خمره الندم البارد واسكر بحلمك الذهبي (32)
إن نظرة عامة إلى هذه القصيدة تأخذ بأيدينا إلى سبيل من سبل استخدام الاسطورة في شعر نازك هذه القصيدة وهي إن نازك أضافت ما لم يكن في الاسطورة أصلا حينما ابتدعت شخصية نهاوند هو اسم من اختراع نازك (فارس الأصل) له صلة بالموسيقى ويقال أنها اسم لمدينة في إيران استثمارا فنيا عاليا كما سنبحثه بعد حين ولعل كل هذا يشير إلى رغبة نازك في تطوير الاستخدام الأسطوري إذا ما واجهنا هذه القصيدة بقصيدة أخرى سابقة هي (نهر النسيان).
ومع ذلك يبقى التوظيف الفني للأسطورة في شعر نازك متخلفا عن بدر شاكر السياب لأنها وراء الحكاية الأسطورية بتفصيلاتها ودلالاتها اللغوية وكأنها تعيد صياغتها شعرا وبمعنى آخر أن نازك لم تستثمر الرموز الأسطوري استثمارا فنيا جديدا يجعل هذا الرمز ذا تأثير مهم في القصيدة أنها لم تجعل من هذه الرموز رموزا خاصة بها لها دلالات في المجال الفني وإلا ما الاختلاف بين (بلاوتس) أو(ميداس) في دلالتهما العامة عما هو موجود في أصل الاسطورة انه تكرار لتلك الدلالات لا غير مع إضافة مهمة لم تستثمر فنيا ونعني ابتداع شخصية (نهاوند) ابنة (ميداس) أما ظاهرة تعدد الرموز الأسطورية في هذه القصيدة فتبدو غير مبررة ولا سيما رمز (بلاوتس) اله الذهب الذي لم يرتبط بأية أحداث درامية مثيرة لا في الاسطورة نفسها ولا في القصيدة ولذا فقد جنحت الشاعرة إلى اجتلاب الرمز الآخر (ميداس)لأنه أكثر حيوية ويتمتع بطابع درامي يمكنه تحمل أعباء الفكرة التي أرادت الشاعرة تجسيدها ومن هنا يبدو (بلاوتس ) وكأنة نتوء أسطوري أقحم على النص إقحاما دون مبرر فني أو موضوعي (33)
على حد تعبير مسلم حسب حسين عدا كونه اله الثراء والعالم السفلي وهاتان الميزتان لهما علاقة بالذهب.
إن الشاعرة كما قلنا لم تستثمر الرموز الأسطورية في هذه القصيدة استثمارا فنيا يكثف المحتوى الفكري للقصيدة وان ظلت الاسطورة أكثر ثراء وعمقا في دلالتها التوجيهية (الإرشادية) أما هل استطاعت نازك أن تطور الإحداث وتجعلها أكثر درامية؟ هذا ما لا تسعفنا القصيدة على تصديقه لأنها مثلا لم تستفد من ندم (ميداس) وما انتابه من مشاعر مؤلمة بسبب فقدانه لابنته الوحيدة على الرغم من أنها أي الشاعرة هي التي أضافت هذا الجزء على الاسطورة بل لم توضح الشاعرة طبيعة ذلك الندم حتى جردته منه مع انه من أهم (اللحظات الإنسانية درامية) إن ما وجدناه في الأبيات الأخيرة للقصيدة لا تخرج عن الم الشاعرة نفسها ومعاناتها الخاصة تجاه تلك الفتاة أما مشاعر الملك الطماع ومأساته فظلت مكبوتة غير معلنة لم يدرك أبعادها المتلقي.
وباستطاعتنا ألان ونحن نستعرض باختصار تطور استخدام الاساطير في شعر نازك الوقوف على الرموز المشتركة بينها وبين السياب لنقارن بينهما ولمعرفة الفر وقات الفنية في مجال توظيف الرمز الأسطوري في القصيدة لدى كل منهما.
يرد لدى نازك اسم (ابولو) اله الشمس والفن والشعر في موضع متعددة دون أن يخرج عن دلالته المعروفة أيضا وهذا من الاساطير المشتركة بينهما وبين السياب إلا إن السياب كان أكثر قدرة في مجال التوظيف الفني لهذا الرمز بينما نجده في شعر نازك محدودا لا فنية فيه تقول نازك:
أيها الشاعر الذي يسهر الليل مستغرقا في الجمود محرقا روحه بخورا على حب (ابولو) ووحيه المنشود (34)
وفي قصيدة أخرى تقول:
راضيا بالشحوب والسقم حبا لابولو مستسهلا ما كانا (35)
يتضح من الأبيات السابقة أن الرمز الأسطوري هنا غير متولد وليس فيه الإشعاع الفني الكافي ولم يتقمص دلالة جديدة تخرج به عن دلالته اللغوية المعروفة في الاسطورة الإغريقية بينما نجد السياب في قصيدة (المومس العمياء) يستخدم اللمحة الأسطورية لمطاره (أبولو) اله الشمس والشعر ل(دافني) ليوقع هذه الصورة على المحاورة التي يوردها على لسان المومس بقوله:
ستظل – مادمت سهام التبر تصفر في الهواء تعدو ويتبعها أبولو من جديد كالقضاء وتظل تهمس إذ تكاد يداه أن تتلقفاها ابني بيد أنك لا تصيخ إلى النداء (36)
فالسياب حين جاء بلمحة المحاورة هذه أراد أن يجعل منها دالة على واقعنا الحالي الذي أصبح أسطورة لهول ما يجابهه المرء من مشكلات حضارية فإذا كان رمز (أبولو) وهو يحاول اغتصاب (دافني) دليلا على سطوة الإلهة الجبارة في عالم الأسطورة فانه في تجربة السياب يعني سطوة أخرى هي قوة الظلم والقهر الاجتماعي الذي يحيل مثل هؤلاء الفتيات إلى بائعات هوى محترفت (37)، ولا يوجد من ينقذ بائعة الهوى من شهوة الرجال عكس دافني التي أقذها أبوها بعد أن حولها إلى شجر إكليل (38)، ولقد حمل السياب الأسطورة معنى آخر عمق فيه العمل الفني وهو يؤكد قهر الواقع الموضوعي أمام اختيارات الإنسان.
ومن الرموز الأسطورية المهمة التي تناولها كل من السياب ونازك الملائكة (أدونيس) و (فينوس وقد أستخدمهما السياب باسميهما الإغريقي والبابلي إلا أنه مال كثيرا إلى التسميات البابلية فأطلق على أدونيس اسم (تموز) البابلي وعلى فينوس أمس (عشتار)حتى سميت مرحلة من أهم مراحل شعره بالمرحلة التموزية لكثرة ورود هذا الرموز في شعره ولم يكن كتاب الانثروبولوجي الانكليزي جيمس فريزر الغصن الذهبي هو المصدر الوحيد الذي استمد منه السياب أسطورة فينوس وادونيس بل هناك مصادر أخرى كالقواميس المثولوجية المترجمة والأصلية وما كتب عن هاتين الشخصيتين في الشعر الانكليزي والشعر العربي الحديث.
وبأسمائها البابلية كـ ( عشتروت وأدونيس ) للشاعر اللبناني حبيب ثابت ( 1974) الذي صاغ هذه الأسطورة في ست عشر قصيدة قصيرة . (39)
وقد اجتمعت الشخصيتان في شعر السياب على العكس من شعر نازك الذي لم تجتكع هاتان الشخصيتان الأسطوريتان معا فيه بل تفضل نازك الاشارة الى كل منهما على نحو المستقبل ، وتكرار الاشارة الى أدونيس أكثر من فينوس ولم يرد اسم تموز في شعر نازك كما حدث في شعر السياب وذلك لاعتادها على الاسطورة الاغريقية لهذه الشخصية وأدونيس كما هو معروف اله الخصب والجمال ومعناه ( السيد الجليل) الذي هامت به فينوس حبا لا كنه لم يعرها اهتماما فأمرت كيوبيد أن يصيبه بسهم العشق لكنه أخطا فارسلت اليه خنزيرا قتله وقطع جسده وقال ان وردة شقائق النعمان قد أينعت من دمه (40) ولقد استطاعت نازك أن تستخدم رمز أدونيس استخداما شبه موفق حين جعلت مو أدونيس منبع الأسى والتعاسة لديها ، وهي بذلك انحرفت عن المعنى الشائع ولم تتعامل معه تعاملا سطحيا على الرغم من مغزاه القديم الذي يدل على جمال الطبيعة والكون وتجدد الحياة ، تقول نازك:
أي أدونيس آه لو عشت في الأرض فعاش السنا ومات الظلام
آه لو لم يكن مقامك في عالمنا المكفهر حلما قصيرا
آه لو دمت يا أدونيس للأرض وأبقيت عطرك المسحور (41)
اما السياب فكان مجيدا في استخدامه لهذا الرمز باسميه الاغريقي والبابلي شأنه مع الرموز الأخرى ، وهو يستخدمه في قصيدة ( مدينة السندباد) رمزا للخصب والتجديد والحياة المشرقة ولكن بصورة " عتاب صريح يوجه الشاعر الى أدونيس بتعبير لا يخلوا من السخرية (42) يقول السياب : أهذا أدونيس هذا الخواء ؟
وهذا الشحوب وهذا الجفاء؟
أهذا أدونيس ؟ أين الضياع ؟
واين القطاف ؟
مناجل لا تحصد / أزهر لا تعتقد
مزارع سوادء من غير ماء
أهذا انتظار السنين الطويلة ؟
اهذا صرا الرجولة ؟ اهذا أنين النساء
أدونيس يالاندحار الرجولة (43)
نلاحظ أن الاختلاف واضح توظيف هذا الرمز لدى من نازك والسياب ونعزو ذلك كما قلنا سابقا إلى التزام القصيدة الغنائية التقليدية مجالا لتوظيف الرمز وهذا لا ينسجم مع طبيعة التجديد في مجال استخدام الرمز الأسطوري بينما يوظفه السياب في قصيدة درامية حرة فجاء مبتكر رائعا آخذ بعده الطبيعي ويستخدم السياب الرمز نفسه البابلي (تموز) هذه المرة استخداما سياسيا غير موفق في قصيدة (العراق الثائر) وهو بهذا وقع بما وقعت نازك من غنائية واضحة واقترب منها في استخدامه لهذا الرمز لأنه " وهو يستطيع تفجير الدلالة الأسطورية للرمز كما كان يفعل في سابق عهده فجاء تموز تشبيها قليل الأثر في سياق القصيدة " (44) يقول السياب:
فلتحر سواها ثورة عربية ، صعق الرفاق
منها وخر الظالمون
لأن تموز استفاق
من بعد ما سرق العميل سناه فانبعث العراق (45)
وهذا لا يعني أن السياب غير مجيد توظيف الرمز الأسطوري لتموز وإنما هي كبوة شاعر ، وقد وظفه توظيفه رائعا في قصائد كثيرة وبالأخص حينما مزج بينه وبين شخصية المسيح (ع) بعد أن حمل الشاعر ذلك الرمز مضامين فكرية واجتماعية ذاتية جديدة غير شائعة في دلالته الأسطورة المعروفة ، ولعل خير مثال نضربه في مزج هاتين الشخصيتين لدى السياب قصيدته
" رؤيا في عام 1956" التي يقول فيها:
أيها الصقر المنقض من أولمب في صمت المساء
رافعا روحي لأطباق السماء
رافعا روحي غنيميدا جريحا
صالبا عيني تموزا ، مسيحيا
أيها الصقر الالهي ترفق
أن روحي تتمزق
أنها عادت هشيما يوم أمسيت ريحا (46)
فكلا الشخصيتين هما قناع يلبسه السياب ليخفي شخصيته خلفه "فصور صلب المسيح وتموز الذي يمزقه الخنزير البري لا تغيب عن مخيلة السياب لأنها تشكل جزء تضحية ومعاناته من أجل الآخرين فالنسر الذي يرفع غانيميد ليحط قرب الآلهة ، يرفع السياب عاليا ويسقطه جريحا (47) ومن ذلك السياب يطور الأسطورة حين يمزج خصائص (تموز) في الأسطورة البابلية وبين خصائص (أدونيس) يقابل تموز عند سكان آسيا الصغرى (48) ويقول السياب :
تموز هذا آتيس
هذا وهذا الربيع
ياخبزنا ياآتيس
أنبت لنا حبا واحيي اليبيس
التأم الحفل وجاء الجميع (49)
لقد أفاد السياب من طقوس الاحتفال بموت أدونيس لدى الإغريق وتموز في بابل الذي يصحبه " عويل النساء اللاتي كن يخشن الإصابة بالعقم حيث الجدب يشمل كل مظاهر الحياة ويذكر عويل النساء بسبب اختفاء أدونيس بعويل البابليين بسبب اختفاء الهم تموز (50) وقد استثمر السياب هذه الطقوس ليحملها مضامين جديدة ورموزا ذات شأن " وجعلها تؤدي أغراضا متعددة وبثها في معظم قصائده التموزية فرأى فيها رموزا لولادة الثورة وإعادة الحياة الكريمة للمعذبين الذين يقارعون الظلم والطغيان فحلفت قصائده بدلالات ثورية حيناً وبدلالات الانحدار في حين آخر " (51) يقول في قصيدته " أغنية في شهر آب"
تموز يموت على الأفق
وتغور دماه على الشفق
في الكهف المظلم والظلماء (52)
والاسم الأسطوري القرين لـ" أدونيس " وهو " فينوس" الذي يتكرر لدى كل من نازك والسياب كما أشرنا سابقا وتمثيل نازك إلى الاسم الأغريقي " فينوس " ففي قصيدتها ميلاد البنفسج " تشير نازك ولأول مرة إلى فينوس مبهورة بفكرة ميلادها من زبد البحر وتخدمها هذه الفكرة التعبير عن كيفية خلق القصيدة في ذهنها هنا تربط نازك بين ربه والجمال والشعر للعلاقة الوطيدة بين الاثنين وأعني الحب والجمال والسحر والالهام:
وتولد عندي القصيدة
كمولد فينوس من زبد البحر طافية مثل وردة
جدائلها أشطر عائمات
وأهدابها من حروف ومن كلمات (53)
ولا يعدم الباحث أن يرى التوظيف هنا قد يشكل بعدا محدودا لا يتجاوز المشبه به بمعنى أن نازك لم تحاول استثمار الأسطورة أو الاسم بطريقة فنية لتجعل من الرمز قضية ذات تأثير عميق في القصيدة فمن الممكن أن نغير اسم فينوس بأي اسم آخر يدل على المعنى نفسه دون ان تتأثر القصيدة أما السبب فيميل إلى استخدام اسم ( عشتار) بدلاً من (فينوس) في مجمل قصائده على الرغم من استخدامه اسم ( افروديت) في بعض شعره .
وتحت انبهار السياب بأسطورة موز وعشتار وحاول توظيفها في قصائد لا علاقة لها فجاءت مختلفة ناشزة كما حدث في قصيدته " إلى جميلة بوحيرد" حيث ينتقل من الحديث عن جملية وبطولات الجزائر إلى الحديث عن عشتار آلهة الجنس والخصب وعن الفداء وعن المسيح يقول السياب :
مشبوحة الأطراف فوق الصليب
يأتيك كل الناس كل ألأنام
يرجعون مما تبذلين الطعام
والأمن والنعماء والعافية
بالأمس وارى قومك الآلهة
عشتار أم الخصب والحب والإحسان تلك الربة والوالهة
لم تعط ما أعطيت لم تروا بالأمطار ما رويت : قلب الفقير (54)
وفي قصيدة رؤيا في عام 1956 تتحول " حفصة العمري " تلك المرأة الشهيدة إلى عشتار آلهة الخصب ةتتحول دلالة الفناء حين صار مرادفا للإله (موت) وبالفعل بين الرمزين المتكاملين ينحو تموز في قلب دلالته أيضا إلى الفناء (55) وهذا لعمري تمثيل رائع يجعل للأسطورة وتوظيف فني يجعل الأسطورة معنى آخر منحرفا عن المعنى الشائع يقول السياب :
عشنار على ساق الشجرة
صلبوا دقوا مسمارا
في بيت الميلاد – الرحم
عشتار بحفصة مستترة
تدعى لتسويق الأمطار / تموز تجسد مسمارا
من حفصة يخرج والشجرة (56)
لكن عشتار تصبح رمزا مكشوفا لحفصة التي يعد صلبها فداء وتضحية يوجب إقامة طقوس استنزال المطر غير ان المفارقة تدخل قسريا حيث يتجسد "تموز" اله مسمارا يخرج من حفصة والشجرة (57) لكن السياب ما لبث أن حور طقوس الأسطورة القديمة وجعلها تدبوا ذات مضامين جديدة اضافة الى انه لفق أكثر من شعيرة طقوسية في القصيدة الواحدة فبدلا من أن تكون أغاني الطقوس مبهجة سعيدة فقد جعلها مخيفة تقوم على الدم والقتل "58" وخلاصة القول أن السياب كان أكثر توظيفا من نازك في مجا لاستخدام رمزي تموز وعشتار وأدونيس وفينوس ولقد تناول الباحثون قصائد السياب التموزية بالتحليل والتفصيل ولا نريد ان نقف كثيرا عند هذين الرمزين اللذين تكررا في شعره كثيرا .
ولنازك رموز أخرى مشتركة مع السياب منها السيرين التي وردت في الأساطير على أنها نوع من حوريات البحر النصف الاعلى منها نصف امرأة مكتملة الأنثوية بارعة الجمال أما النصف الثاني فنصف سمكة "59" وهي تغوي البحارة بصورتها العذب فيلقون بأنفسهم في الماء ويموتون غرقا وهي لدى نازك رمز للخداع والاغواء ولعذوبة الصوت والجمال الجسدي تقول في قصيدتها "نداء الى السعادة"
في خفايا مغمورة عنكبوت الشر الفى فيها سريرا مريحا
وركاب السيرين آوت اليها والثعابين أثقلتها فحيحا (60)
ويبدوا أن نازك هنا تلتقي مع السياب في مجال استخدام هذا الرمز لأنه ظل لدى كل منهما مجرد " مشبه به " لا يؤثر كثيرا في بناء القصيدة ولا ينم عن تحول في مجال اضافة ظلال اخرى على هذا الرمز وعلى الرغم من أن الشاعرة استدعن " السيرين" في هذه القصيدة استدعاء طبيعيا يكشف عن مدى اليأس الذي تعيشه الشاعرة في بحيث المضني عن السعادة مع ثقتها بوجودها.
والسياب أيضا استخدم هذا الرمز بدلالة الاغراء والخداع واسقاطها على حالته المرضية وهو يصارع الموت يقول في قصيدته "سفر أيوب" :
رميت وجه الموت الف مرة
اذا اطل وجه البغيض
كأنه السيرين يسعى جسمي المريض
نحو ذراعيه بلا تردد (61)
ومما يدل على ان السياب زظف هذا
النبراس- مشرف
-
عدد المساهمات : 57
تاريخ التسجيل : 20/08/2009
العمر : 59
رد: توظيف الرموز الأسطورية في الشعر بين نازك والسياب
ومما يدل على ان السياب وظف هذا الرمز للدلالة على الإغراء ما أشار إليه في هامش القصيدة من أن " السيرين " حورية بحر تغني فتجذب إليها من يسمعها وهو بذلك لم يعط الرمز بعده الفني وظل سطحيا محدودا في إطار المشبه به لا يخرج دلالته الأسطورية على العكس من توظيفه للرموز الأخرى
ولعل الرمز الأسطوري المهم اشترك فيه كل من الشاعر والشاعرة وهو ميدوزا تلك المخلوقة الأسطورية الكريهة التي تحيل كل من تنظر إليه إلى صخر أصم قاسي الملامح ولقد أجادت نازك حينما حرفت الرمز إلى دلالة أخرى منها العمق الفني والفكري بعد أن حملت الاسم الأسطوري مضمونا جديدا لم تألفه لدى هذه المخلوقات فقد " أفرغتها الشاعرة من دلالتها الشريرة القاتلة لتعبر من خلاله عن الجمال " اللامتناهي " إلا أن استخدام الشاعرة لميدوزا على هذا النحو الباهت لم يكن قادراً على تبديد الإحساس بالقبح والاشمئزاز تجاه تلك الشخصية المقيتة إضافة إلى أن الأسطورة لم تشر إلى أن عيني "ميدوزا " جمليتان لأن احدا لم يقو على النظر إلى وجهها لأنه حتما سيتحول إلى حجر (62) وهذه إضافة فنية رائعة تسجل لنازك في مجال توظيف الأسطورة لأنها استطاعت أن تخرج الأسطورة إلى معنى آخر تجاوز الدلالة الأسطورية ولكن الخلل الذي ظل يلاحق قصيدة نازك هو التصوير المحدود غير المتناهي الذي لا يحمل تداعيات وإيحاءات أضافية أكثر من تشبيه عيني الحبيب القاتلة بعين " ميدوزا " تقول نازك في قصيدتها " أسطورة عينين " :
وانها ما روى آخرون
بقية من أعين آفلة
عينا " ميدوزا " افرع الساحرون
ويبدو أن السياب قد وظف " عيون ميدوزا " في قصيدة " المومس العمياء" توظيفا اقل عمقا أو يتساوى فيه مع نازك في مجال محدودية الرمز وعدم توليده دون ظلال وإيحاءات أخرى تضاف إلى الأسطورة القديمة يجعلها رمزا للتحجر والقسوة وهذا لا يخرج عن الأساس الأسطوري وتحميلها معاني كثيرة أضافية غير مألوفة يقول السياب:
وتفتحت كأزاهر الدفلى مصابيح الطريق
كعيون " ميدوزا" تحجر كل قلب بالضغينة (64)
وأخيرا لا نريد أن نؤخذ بالمقارنة نازك والسياب في مجال الرمز المشتركة حتى لا يصاحب البحث بالترهل ولعل النماذج الشعرية التي ذكرناها تشير إلى طبيعة التوظيف الفني لدى كل منهما ومن الجدير بالقبول أن نازك تخلفت عن السياب في مجال التوظيف الفني للأساطير يمتلكه بدر من قدرة إبداعية بعد أن تمكن من أدائه واستطاع أن يربط بين الفكرة والعاطفة والرمز والبناء الفني للقصيدة وذاته وروح الجماعة على العكس من نازك التي ظلت قابعة في زاويا ذاتها تناجي يأسها وحزنها اللامتناهي وهي مع ذلك فقد حاولت أن تستثمر الرموز الأسطورية في شعرها على الرغم من قلة هذا الاستثمار قياسا الى السياب ، ولكنها ظلت رائدة من رواد الشعر لحر وأول من أهتم بالأساطير في الشعر العراقي الحديث "65"
مصادر البحث ومراجعه
المصادر
1- أثر التراث في الشعر العراقي الحديث ، على حداد دار الحرية للطباعة والنشر بغداد ، 1986.
2- الأسطورة الإغريقية في الشعر العربي المعاصر (1900-1950) د. محمد عبد الحي ، دار النهضة العربية القاهرة .
3- الأسطورة في شعر السياب عبد الرضا علي ـ وزارة الثقافة والفنون ، بغداد 1978.
4- أشكال التعبير في الأدب الشعبي د. نبيلة إبراهيم ،دار نهضة مصر ، القاهرة "د.ت"
5- الأصابع في موقد الشعر ، حاتم الصكر ، دار الشؤون الثقافية وزارة الثقافة والإعلام بغداد 986
6- جريدة القادسية ، عـ 4192/في 10/5/1993 بغداد العراق.
7- دراسة نقدية في ضوء المنهج الواقعي ، حسين مروة ، المطبعة التجارية منشورات مكتبة المعارف بيروت 1965.
8- ديوان بدر شاكر السياب " المجموعة الكاملة " الجزء الأول دار العودة بيروت 1971.
9- ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة الجزء الأول دار العودة ط2 1981.
10- ديوان نازك الملائكة الجزء الثاني دار العودة بيروت ط2 1979.
11- الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب / د. علي البطل شركة الربيعان للنشر والتوزيع ، الكويت ، 1982.
12- الرمز في الشعر العراقي المعاصر " رواد الشعر الحر" مسلم حسب حسين رسالة جامعية " مطبوعة الرونيو كلية الآداب جامعة البصرة 1990
13- الشعر ومتغيرات المرحلة الشعر والتراث د. حماد حمود ود. علي جواد طاهر مطابع دار الشؤون الثقافية بغداد 1986.
14- مجلة دراسات ، المجلد 9 ، العدد ، حزيران 1982(الأردن ) .
15- معجم الأساطير لطفي الخوري ، الجزء الأول مطابع دار الشؤون الثقافية بغداد ، 1991.
16- نازك الملائكة دراسات في الشعر والشاعرة " كتاب تذكاري" أعداد عبد الله المهنا شركة الربيعان للنشر والتوزيع ، الكويت 1685.
الهوامش
1- الأسطورة في شعر بدر شاكر السياب ، سمير قطامي مجلة دراسات المجلد 9 ، العدد 1 ، حزيران 1982ص. 30 وينظر : دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي حسين مروة : 377-378.
2- الشعر الحر والتراث في الريادة العراقية الشعر ومتغيرات المرحلة : 82
3- Joseph zeidan myth and symboi in poetry of Adonis and yusuf al-khal " journal of Arabic literature volx 1979 E.J. Brill –Leiden "P70 "87.
4- الأسطورة في شعر بدر شاكر السياب ، سمير قطامي مجلة دراسات / ع حزيران 1982 ص30
5- الشعر الحر في الريادة العراقية الشعر ومتغيرات المرحلة 83.
6- الرمز الأسطوري في شعر بد شاكر السياب 225.
7- أثر التغيرات في الشعر العراقي الحديث ، علي حداد 76.
8- الأسطورة في شعر السياب عبد الرضا علي : 49 وتنظر : مقدمة ديوان نازك " المجموعة الكاملة"
9- الشعر الحر والتراث في الريادة العراقية والشعر ومتغيرات المرحلة : 83.
وينظر ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة 116 /1 326.
10- صفحات من حياة نازك الملائكة ،جريدة القادسية ع 4192 في 1/5/ 1993 ،ص6 ويبدوا أن الدكتورة حياة تقصد مطولتها " أغنية للإنسان " التي هي الصورة ثانية الأولى مأساة الحياة التي كتبتها 1945.
11- تنظر : رسالة د. هناء البياتي
Keats shelley and Byron in nazik al-malakahs Poetry Glasgow university . 1989 P 290.
* ظهرت إشارة واحدة إلى بنلوب لدى السياب في قصيدته إهداء في ديوانه "أزهار وأساطير "
12- الشعر الحر والتراث في الريادة العراقية والشعر ومتغيرات المرحلة 83.
13- من الموروث الأسطوري والديني في شعر نازك الملائكة محمد رجب النجار الكتاب التذكاري :
14- الشعر الحر والتراث في الريادة العرقية الشعر ومتغيرات المرحلة 83.
15- 1988 Modernist Moves in Arabic Poetry Gilamesh 2
16- Myths in al-sayyab Poetry '''' gilgmesh 4 1988
17- الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب د. علي البطل 259.
18- الرمز في الشعر العراقي رسالة ماجستير مسلم حسب حسين 92
19- الأصابع في موقد الشعر حاتم الصكر 119.
20- الشعر الحر والتراث في الريادة العراقية الشعر ومتغيرات المرحلة 83. نشير هنا إلى أن قرارة الموجه لا يخلو من استخدام الأسطورة ولكن استخدامها كان قليلا بالقياس إلى ديوانها السابق.
21- الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب :236.
22- الشعر في الريادة العراقية ، الشعر ومتغيرات المرحلة :83.
23- من الموروث الأسطوري والديني في شعر نازك ، محمد رجب النجار الكتاب التذكاري 383.
24- الرمز في الشعر العراقي المعاصر رسالة جامعية مسلم حسب 95 وينظر الكتاب التذكاري 384.
* يعتقد روم في قاموسه Rooms Classical Dictionary بأن المقطع الأخير issus لكلمة nareissus تعني بأن الاسم قد يكون من أصل غير إغريقي بعكس ما هو شائع أنظر ص210.
25- اعتمدنا في هذا الجدول على اطروحة دكتورة هناء محمد البياتي الملاحق Keats shelley and byron in Nazk al-Malaikahs Poetry.
26- للتوسع ينظر الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب د. علي البطل 70-94 الأسطورة في شعر السياب ، عبد الرضا علي الأسطورة في شعر بدر شاكر السياب سمير قطامي مصدر سابق .
27- بل لا تتجاوز أكثر من ثلاث دراسات الأولى في الكتاب التذكاري لمحمد رجب والأخرى للدكتور علي جواد طاهر الشعر ومتغيرات المرحلة وهي مختصرة جداً والثالثة لمسلم حسب في رسالة الماجستير المذكورة آنفا.
28- تنظر : مقدمة نازك التفصيلية حول هذه المطولة بصورها الثلاث المجموعة الكاملة : 1-18 .
29- ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة 326-342.
30- وهو اله الثراء والعالم السفلي عند الإغريق وهو ابن ديمتر وأياسن lason وقد استعار الرومان هذا الاسم من الاغريق وله نفس الدلالة وينطق بـ Pluto وهو أحد أسماء الإله هاديس Hades ويعني هذا الاسم الغنى والثراء .
ينظر كذلك Andrian Room Rooms Classical Dictionry PP.253.
31- وهو اله النار عند الرومان ولابد من التفريق بين اله النار عند اليونان واله النار عند الاسيويين الذي يدعى بآنكي Agni فالأول اله الطبيعة غير المقدسة التي لا يمكن السيطرة عليها والثاني اله النار المقدسة المصدر السابق ص307.
32- وهو ملك فريجا الذي منحه ديونيسيس اله الخمر عند الإغريق قدرته على تحويل كل ما يلمسه الى ذهب رداً على حسن ضيافته وقد تحول كل ما يلمسه الى ذهب حتى الاكل والشرب وهكذا اصبح الذهب نقمة عليه لمزيد من التفاصيل عن قصة ماديس ينظر Greece and Rome PP74-79.
33- ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة 340 -341.
لن نعثر على اسم نهاوند في كافة المصادر الأجنبية الخاصة بالاساطير ولمزيد من التفاصيل تنظر اطروحة الدكتورة هناء البياتي – Keats shelley and Byron in Nazik al Malaikah''''s Poetry 1989 P.425.
34- الرمز في الشعر العراقي المعاصر رسالة جامعية 98 وتنظر الصفحات 93-99-
35- المجموعة الكاملة 1-116
36- المصدر السابق : 1-127 وتنظر ص95.
37- ديوان بدر شاكر السياب المجموعة الكاملة 1/516.
38- الأسطورة في شعر السياب عبد الرضا علي 103.
39- Abdul-Ridha Ali Myths in al Sayyab''''s Poetry , Translated by Adnan , Gilgamesh 1988 . 4 P 69.
40- ينظر : الأسطورة الإغريقية في الشعر العربي المعاصر 1900-1950 د. محمد عبد الحي : 77-84 ينظر
Paul Harvey the Oxford Companion to English Literature PP.7-8.
40- ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة
41- الأسطورة في شعر السياب عبد الرضا علي 465-466.
42- ديوان بدر شاكر السياب المجموعة الكاملة
43- الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب 176.
44- ديوان بدر شاكر السياب المجموعة الكاملة 1-311.
45- المجموعة الكاملة 429 – 430.
46- Poetry Translated by Adnan , Gilgamesh 1988 . 4 P 68. 4. Sayyab''''s Abdul-Ridha Ali Myths in
47- ينظر الأسطورة في شعر السياب 136.
49- المجموعة الكاملة 1/434.
50- الإنسان والزمان في التراث الشعبي نبيلة إبراهيم :5.
51- الأسطورة في شعر السياب 54-55.
52- المجموعة الكاملة 1/328.
53- يغير ألوانه البحر : 115.
* يبدوا أسم أفروديت من أصل شرقي وعلى الأغلب فينيقي .. انتقلت عبادة افروديت من فينيقية الى سيثرا وهي مركز تجاري ومن هناك إلى قبرص ثم انتشرت منها الى اليونان ز أنظر معجم الأساطير : 1/47.
54- ديوان بدر شاكر السياب المجموعة الكاملة : 380-384.
55- الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب 168.
56- ديوان السياب المجموعة الكاملة 1-437.
57- الأسطورة في السياب 120.
58- المصدر السابق 164.
59- الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب 120.
60- ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة 1-325.
61- ديوان السياب المجموعة الكاملة 1-573.
62- الرمز في الشعر العراقي المعاصر رسالة جامعية 100.
63- ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة 2-366.
64- ديوان السياب المجموعة الكاملة 1-509.
65- للتوسع ينظر ديوان نازك المجموعة الكاملة 135-276-330-333-240-2-80-155-156-197.
ولعل الرمز الأسطوري المهم اشترك فيه كل من الشاعر والشاعرة وهو ميدوزا تلك المخلوقة الأسطورية الكريهة التي تحيل كل من تنظر إليه إلى صخر أصم قاسي الملامح ولقد أجادت نازك حينما حرفت الرمز إلى دلالة أخرى منها العمق الفني والفكري بعد أن حملت الاسم الأسطوري مضمونا جديدا لم تألفه لدى هذه المخلوقات فقد " أفرغتها الشاعرة من دلالتها الشريرة القاتلة لتعبر من خلاله عن الجمال " اللامتناهي " إلا أن استخدام الشاعرة لميدوزا على هذا النحو الباهت لم يكن قادراً على تبديد الإحساس بالقبح والاشمئزاز تجاه تلك الشخصية المقيتة إضافة إلى أن الأسطورة لم تشر إلى أن عيني "ميدوزا " جمليتان لأن احدا لم يقو على النظر إلى وجهها لأنه حتما سيتحول إلى حجر (62) وهذه إضافة فنية رائعة تسجل لنازك في مجال توظيف الأسطورة لأنها استطاعت أن تخرج الأسطورة إلى معنى آخر تجاوز الدلالة الأسطورية ولكن الخلل الذي ظل يلاحق قصيدة نازك هو التصوير المحدود غير المتناهي الذي لا يحمل تداعيات وإيحاءات أضافية أكثر من تشبيه عيني الحبيب القاتلة بعين " ميدوزا " تقول نازك في قصيدتها " أسطورة عينين " :
وانها ما روى آخرون
بقية من أعين آفلة
عينا " ميدوزا " افرع الساحرون
ويبدو أن السياب قد وظف " عيون ميدوزا " في قصيدة " المومس العمياء" توظيفا اقل عمقا أو يتساوى فيه مع نازك في مجال محدودية الرمز وعدم توليده دون ظلال وإيحاءات أخرى تضاف إلى الأسطورة القديمة يجعلها رمزا للتحجر والقسوة وهذا لا يخرج عن الأساس الأسطوري وتحميلها معاني كثيرة أضافية غير مألوفة يقول السياب:
وتفتحت كأزاهر الدفلى مصابيح الطريق
كعيون " ميدوزا" تحجر كل قلب بالضغينة (64)
وأخيرا لا نريد أن نؤخذ بالمقارنة نازك والسياب في مجال الرمز المشتركة حتى لا يصاحب البحث بالترهل ولعل النماذج الشعرية التي ذكرناها تشير إلى طبيعة التوظيف الفني لدى كل منهما ومن الجدير بالقبول أن نازك تخلفت عن السياب في مجال التوظيف الفني للأساطير يمتلكه بدر من قدرة إبداعية بعد أن تمكن من أدائه واستطاع أن يربط بين الفكرة والعاطفة والرمز والبناء الفني للقصيدة وذاته وروح الجماعة على العكس من نازك التي ظلت قابعة في زاويا ذاتها تناجي يأسها وحزنها اللامتناهي وهي مع ذلك فقد حاولت أن تستثمر الرموز الأسطورية في شعرها على الرغم من قلة هذا الاستثمار قياسا الى السياب ، ولكنها ظلت رائدة من رواد الشعر لحر وأول من أهتم بالأساطير في الشعر العراقي الحديث "65"
مصادر البحث ومراجعه
المصادر
1- أثر التراث في الشعر العراقي الحديث ، على حداد دار الحرية للطباعة والنشر بغداد ، 1986.
2- الأسطورة الإغريقية في الشعر العربي المعاصر (1900-1950) د. محمد عبد الحي ، دار النهضة العربية القاهرة .
3- الأسطورة في شعر السياب عبد الرضا علي ـ وزارة الثقافة والفنون ، بغداد 1978.
4- أشكال التعبير في الأدب الشعبي د. نبيلة إبراهيم ،دار نهضة مصر ، القاهرة "د.ت"
5- الأصابع في موقد الشعر ، حاتم الصكر ، دار الشؤون الثقافية وزارة الثقافة والإعلام بغداد 986
6- جريدة القادسية ، عـ 4192/في 10/5/1993 بغداد العراق.
7- دراسة نقدية في ضوء المنهج الواقعي ، حسين مروة ، المطبعة التجارية منشورات مكتبة المعارف بيروت 1965.
8- ديوان بدر شاكر السياب " المجموعة الكاملة " الجزء الأول دار العودة بيروت 1971.
9- ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة الجزء الأول دار العودة ط2 1981.
10- ديوان نازك الملائكة الجزء الثاني دار العودة بيروت ط2 1979.
11- الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب / د. علي البطل شركة الربيعان للنشر والتوزيع ، الكويت ، 1982.
12- الرمز في الشعر العراقي المعاصر " رواد الشعر الحر" مسلم حسب حسين رسالة جامعية " مطبوعة الرونيو كلية الآداب جامعة البصرة 1990
13- الشعر ومتغيرات المرحلة الشعر والتراث د. حماد حمود ود. علي جواد طاهر مطابع دار الشؤون الثقافية بغداد 1986.
14- مجلة دراسات ، المجلد 9 ، العدد ، حزيران 1982(الأردن ) .
15- معجم الأساطير لطفي الخوري ، الجزء الأول مطابع دار الشؤون الثقافية بغداد ، 1991.
16- نازك الملائكة دراسات في الشعر والشاعرة " كتاب تذكاري" أعداد عبد الله المهنا شركة الربيعان للنشر والتوزيع ، الكويت 1685.
الهوامش
1- الأسطورة في شعر بدر شاكر السياب ، سمير قطامي مجلة دراسات المجلد 9 ، العدد 1 ، حزيران 1982ص. 30 وينظر : دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي حسين مروة : 377-378.
2- الشعر الحر والتراث في الريادة العراقية الشعر ومتغيرات المرحلة : 82
3- Joseph zeidan myth and symboi in poetry of Adonis and yusuf al-khal " journal of Arabic literature volx 1979 E.J. Brill –Leiden "P70 "87.
4- الأسطورة في شعر بدر شاكر السياب ، سمير قطامي مجلة دراسات / ع حزيران 1982 ص30
5- الشعر الحر في الريادة العراقية الشعر ومتغيرات المرحلة 83.
6- الرمز الأسطوري في شعر بد شاكر السياب 225.
7- أثر التغيرات في الشعر العراقي الحديث ، علي حداد 76.
8- الأسطورة في شعر السياب عبد الرضا علي : 49 وتنظر : مقدمة ديوان نازك " المجموعة الكاملة"
9- الشعر الحر والتراث في الريادة العراقية والشعر ومتغيرات المرحلة : 83.
وينظر ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة 116 /1 326.
10- صفحات من حياة نازك الملائكة ،جريدة القادسية ع 4192 في 1/5/ 1993 ،ص6 ويبدوا أن الدكتورة حياة تقصد مطولتها " أغنية للإنسان " التي هي الصورة ثانية الأولى مأساة الحياة التي كتبتها 1945.
11- تنظر : رسالة د. هناء البياتي
Keats shelley and Byron in nazik al-malakahs Poetry Glasgow university . 1989 P 290.
* ظهرت إشارة واحدة إلى بنلوب لدى السياب في قصيدته إهداء في ديوانه "أزهار وأساطير "
12- الشعر الحر والتراث في الريادة العراقية والشعر ومتغيرات المرحلة 83.
13- من الموروث الأسطوري والديني في شعر نازك الملائكة محمد رجب النجار الكتاب التذكاري :
14- الشعر الحر والتراث في الريادة العرقية الشعر ومتغيرات المرحلة 83.
15- 1988 Modernist Moves in Arabic Poetry Gilamesh 2
16- Myths in al-sayyab Poetry '''' gilgmesh 4 1988
17- الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب د. علي البطل 259.
18- الرمز في الشعر العراقي رسالة ماجستير مسلم حسب حسين 92
19- الأصابع في موقد الشعر حاتم الصكر 119.
20- الشعر الحر والتراث في الريادة العراقية الشعر ومتغيرات المرحلة 83. نشير هنا إلى أن قرارة الموجه لا يخلو من استخدام الأسطورة ولكن استخدامها كان قليلا بالقياس إلى ديوانها السابق.
21- الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب :236.
22- الشعر في الريادة العراقية ، الشعر ومتغيرات المرحلة :83.
23- من الموروث الأسطوري والديني في شعر نازك ، محمد رجب النجار الكتاب التذكاري 383.
24- الرمز في الشعر العراقي المعاصر رسالة جامعية مسلم حسب 95 وينظر الكتاب التذكاري 384.
* يعتقد روم في قاموسه Rooms Classical Dictionary بأن المقطع الأخير issus لكلمة nareissus تعني بأن الاسم قد يكون من أصل غير إغريقي بعكس ما هو شائع أنظر ص210.
25- اعتمدنا في هذا الجدول على اطروحة دكتورة هناء محمد البياتي الملاحق Keats shelley and byron in Nazk al-Malaikahs Poetry.
26- للتوسع ينظر الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب د. علي البطل 70-94 الأسطورة في شعر السياب ، عبد الرضا علي الأسطورة في شعر بدر شاكر السياب سمير قطامي مصدر سابق .
27- بل لا تتجاوز أكثر من ثلاث دراسات الأولى في الكتاب التذكاري لمحمد رجب والأخرى للدكتور علي جواد طاهر الشعر ومتغيرات المرحلة وهي مختصرة جداً والثالثة لمسلم حسب في رسالة الماجستير المذكورة آنفا.
28- تنظر : مقدمة نازك التفصيلية حول هذه المطولة بصورها الثلاث المجموعة الكاملة : 1-18 .
29- ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة 326-342.
30- وهو اله الثراء والعالم السفلي عند الإغريق وهو ابن ديمتر وأياسن lason وقد استعار الرومان هذا الاسم من الاغريق وله نفس الدلالة وينطق بـ Pluto وهو أحد أسماء الإله هاديس Hades ويعني هذا الاسم الغنى والثراء .
ينظر كذلك Andrian Room Rooms Classical Dictionry PP.253.
31- وهو اله النار عند الرومان ولابد من التفريق بين اله النار عند اليونان واله النار عند الاسيويين الذي يدعى بآنكي Agni فالأول اله الطبيعة غير المقدسة التي لا يمكن السيطرة عليها والثاني اله النار المقدسة المصدر السابق ص307.
32- وهو ملك فريجا الذي منحه ديونيسيس اله الخمر عند الإغريق قدرته على تحويل كل ما يلمسه الى ذهب رداً على حسن ضيافته وقد تحول كل ما يلمسه الى ذهب حتى الاكل والشرب وهكذا اصبح الذهب نقمة عليه لمزيد من التفاصيل عن قصة ماديس ينظر Greece and Rome PP74-79.
33- ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة 340 -341.
لن نعثر على اسم نهاوند في كافة المصادر الأجنبية الخاصة بالاساطير ولمزيد من التفاصيل تنظر اطروحة الدكتورة هناء البياتي – Keats shelley and Byron in Nazik al Malaikah''''s Poetry 1989 P.425.
34- الرمز في الشعر العراقي المعاصر رسالة جامعية 98 وتنظر الصفحات 93-99-
35- المجموعة الكاملة 1-116
36- المصدر السابق : 1-127 وتنظر ص95.
37- ديوان بدر شاكر السياب المجموعة الكاملة 1/516.
38- الأسطورة في شعر السياب عبد الرضا علي 103.
39- Abdul-Ridha Ali Myths in al Sayyab''''s Poetry , Translated by Adnan , Gilgamesh 1988 . 4 P 69.
40- ينظر : الأسطورة الإغريقية في الشعر العربي المعاصر 1900-1950 د. محمد عبد الحي : 77-84 ينظر
Paul Harvey the Oxford Companion to English Literature PP.7-8.
40- ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة
41- الأسطورة في شعر السياب عبد الرضا علي 465-466.
42- ديوان بدر شاكر السياب المجموعة الكاملة
43- الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب 176.
44- ديوان بدر شاكر السياب المجموعة الكاملة 1-311.
45- المجموعة الكاملة 429 – 430.
46- Poetry Translated by Adnan , Gilgamesh 1988 . 4 P 68. 4. Sayyab''''s Abdul-Ridha Ali Myths in
47- ينظر الأسطورة في شعر السياب 136.
49- المجموعة الكاملة 1/434.
50- الإنسان والزمان في التراث الشعبي نبيلة إبراهيم :5.
51- الأسطورة في شعر السياب 54-55.
52- المجموعة الكاملة 1/328.
53- يغير ألوانه البحر : 115.
* يبدوا أسم أفروديت من أصل شرقي وعلى الأغلب فينيقي .. انتقلت عبادة افروديت من فينيقية الى سيثرا وهي مركز تجاري ومن هناك إلى قبرص ثم انتشرت منها الى اليونان ز أنظر معجم الأساطير : 1/47.
54- ديوان بدر شاكر السياب المجموعة الكاملة : 380-384.
55- الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب 168.
56- ديوان السياب المجموعة الكاملة 1-437.
57- الأسطورة في السياب 120.
58- المصدر السابق 164.
59- الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب 120.
60- ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة 1-325.
61- ديوان السياب المجموعة الكاملة 1-573.
62- الرمز في الشعر العراقي المعاصر رسالة جامعية 100.
63- ديوان نازك الملائكة المجموعة الكاملة 2-366.
64- ديوان السياب المجموعة الكاملة 1-509.
65- للتوسع ينظر ديوان نازك المجموعة الكاملة 135-276-330-333-240-2-80-155-156-197.
مواضيع مماثلة
» مدرسة الشعر الحرّ والاستخدام الأسطوري
» الشعر الكلاسيكي في أدبنا العربي الحديث
» الواقعية و الشعر الجديد
» عروض الشعر العمودي وشعر التفعيلة
» عمود الشعر العربي بين النشأة والتأسيس
» الشعر الكلاسيكي في أدبنا العربي الحديث
» الواقعية و الشعر الجديد
» عروض الشعر العمودي وشعر التفعيلة
» عمود الشعر العربي بين النشأة والتأسيس
ثانوية ابن خلدون التأهيلية ببوزنيقة :: الدروس :: 2AB :: الشعب الأدبية :: مادة اللغة العربية :: النصوص
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى