مدرسة الشعر الحرّ والاستخدام الأسطوري
ثانوية ابن خلدون التأهيلية ببوزنيقة :: الدروس :: 2AB :: الشعب الأدبية :: مادة اللغة العربية :: النصوص
صفحة 1 من اصل 1
مدرسة الشعر الحرّ والاستخدام الأسطوري
مدرسة الشعر الحرّ والاستخدام الأسطوري
عكف أصحاب هذا المسار الشعري الجديد, على إرساء تجربة شعرية محدثة, حين أتوا على التغيير في الشكل باللجوء إلى شعر التفعيلة كما عمدوا إلى تنويع التجارب وإثرائها, فالتجربة الشعرية الجديدة تترك للشاعر الحرية في أن يخوض عوالم متباينة بعضها من داخل نفسه والآخر من خارجها فهي بذلك تجربة تجوب الآفاق, وهي متدفقة عارمة تحطم ما يعوقها وترفض أن تخضع لقوالب (1).
لقد بدأ الشّاعر المعاصر بالتنقيب في تراثه الحضاري وآثاره الأدبية, فوسع من مصادره وإشاراته الأسطورية ليصقل تجاربه المتمردة, فالأسطورة كانت دائما جزءا من التراث الذي لم يغفل عنه الإنسان المبدع يوما, فتبلورت ضمن تجارب وسياقات محدثة تقف بها عند مشارف الرمز, وتجعل منها صورة شعرية قادرة على الإثارة وتكشف مجموعة من الدلالات الشعورية و الفكرية (2), فاكتست في مرحلة متقدمة رؤيا رمزية كشفية لا مجرد موضوع للقصيدة أو إقحام لشخصيات تاريخية وأسطورية, كما يذهب إلى ذلك مندور حين يصرح: إنّنا لن نستطيع أن نخلق من أسطورة معروفة قيما فنية جديدة, ما لم نتمثلها حتى تصبح جزءا من أصالتنا (3), ذلك أنّ الشّاعر المعاصر كان على وعي بلغة الإنسان الأول وخيالاته ومشاغله, فتمثلها على نحو معاصر لتعبر عن مشاغله ورؤاه وتطلعاته, كما أنّه استجاب إلى دعوات الغرب في خلق أسطورة الإنسان, كما يدعي سارتر وجورج لوكاتش حينما شدّدا على مطالبة الشّعراء والنّقاد بأن يقدموا رموزا للحياة, وأن يعطوا للخرافات والأساطير الباقية طابعا يوضح تساؤلاتنا.
لقد ظهر تأثير إليوت جليا في ما نظمه شعراء التفعيلة على خلاف مدارس التجديد الأولى التي لم تهضم التوظيف الجديد, الذي ظهر عند إليوت وجويس, فعبر الشاعر المعاصر من خلال الأسطورة عن هاجس الإنسان العربيّ, وأوضاعه في واقع يحكمه الاحتلال, وتتعالى فيه صيحات الحركات التحررية والقومية لتنتشل الوضع من براثينه, فتعالت أصوات كصوت السّياب, و أدونيس, و خليل حاوي, ويوسف الخال…..حاملة مشروعا انبعاثيا حضاريا كامتداد لنهضة الأمة العربيّة ونزعاتها التحررية, هذا الانبعاث الذي تجسد في شخوص أسطورية كتموز و أدونيس و عشتار وبعل وأوزيريس وطائر الفينيق, لتعاود الرموز الوثنية الظهور من جديد في حياة الإنسان, لكن في مرحلة أكثر تحضرا و اضطرابا في الوقت ذاته, كما ظهرت رموز برومثيوس وسيزيف والمسيح للتعبير عن آلام ومعاناة الإنسان العربيّ, وأخرى كسندباد و أورفيوس و إيكار تعبيرا عن قلق روحي ومادي, ومن هنا يمكن لنا أن نرصد كيف تعامل الشّاعر المعاصر مع التراث الأسطوري.
1- توظيف الأسطورة بالاقتصار على الدلالة الأولية, فنجد الشعراء أحيانا يستلهمون الأسطورة القديمة في مجملها من حيث هي تعبير قديم ذو مغزى معين, كاستلهام أسطورة أوديب وأبي الهول أو قصة بينلوب وأوليس (4), فهي بذلك تفسيرية ذات بعد واحد في القصيدة هو البعد الأولي, أو كاستعارة أو صورة بديعية إذ أخذت الأساطير أحيانا واقتصرت على الدخول في بناء القصيدة دون تمثل لها ولأبعادها فوضح أنها دخيلة قلقة في موضعها, أو أنّها جاءت أحيانا لا تؤدي سوى وظيفة تفسيرية أو توضيحية, شأنها في ذلك شأن التشبيه في الشعر القديم (5), أو إلى تكديس الرموز الأسطورية في القصيدة الواحدة كما ظهر عند يوسف الخال: وقبلما نهم بالرّحيل نذبح الخراف
واحدا لعشتروت, وواحدا لأدونيس
وواحدا لبعل.
2- إنّ الاقتصار على إقحام الأسطورة كأداة تفسيرية موضحة ظهر في بداية هذه المرحلة, وبعد أن تطورت هذه التجربة الشعرية, دخلت الأسطورة كعنصر بنائي عضوي في القصيدة, أي الحضور الرمزي كليا حيث يضفي عليها الشاعر دلالات جديدة, برد شخوصها وأحداثها ومواقفها إلى شخصيات وأحداث ومواقف معاصرة, كما ظهر عند أدونيس في قصيدته ترتيلة البعث (6), حيث يعمد إلى أسطورة فينيق وهو الطائر الذي يموت احتراقا ويبعث من رماده فنيق جديد, فموته عند أدونيس كان أملا ورجاء في بعث الحضارة العربيّة من جديد, يقول:
فنيق يا فنيق
يا طائر الحنين والحريق
……………………..
فنيق أنت من يرى سوادنا
يحسّ كيف نمحى
فنيق مت فدى لنا
فنيق ولتبدأ الحرائق
لتبدأ الشقائق
لتبدأ الحياة
3- ويتطور البناء الأسطوري, ليتعدى الأسطورة الجاهزة إلى خلق الشّاعر أساطيره الخاصة وفق رؤاه وإيحاءاته ومحاولته الكشفية, فأسطورة الشّاعر تفكك البناء الميثولوجي لتبني بناءها الخاص, كما ظهر عند خليل حاوي في قصيدته السندباد في رحلته الثامنة (7), فالسندباد أصبح لديه نموذجا فنيا, يجوب عوالم النّفوس ويسبر أغوارها, فهو لن يعود إلينا كعادته بالكنوز والمعرفة, بل سيعود إلينا نبيّا وشاعرا, يقول:
ضيّعت رأس المال والتّجارة
عدت إليكم شاعرا في فمه بشاره
بفطرة تحسّ ما في رحم الفصول
تراه قبل أن يولد في الفصول
لقد وفق الشّاعر المعاصر في استخدامه للأسطورة في أن يجمع بين الذات والموضوع, بين الكليّ والجزئيّ لينصهر في كلّ متكامل, فيشكل بذلك وحدة عضوية, كما يتضح ذلك في شعر خليل حاوي, واستطاع أن يكسب التجربة الجديدة بعدين, بعد شخصي وبعد تراثي, فتتحرك الأحداث والشخوص الأسطورية خلف نقاب شفاف من الإشارات والرموز, التي تومئ ولا تفصح, فتتقارب الإشارات المتنافرة وتتوحد الشخوص باختلاف مصادرها, لتوحي ببعث جديد كالمسيح وتموز و أدونيس, أو تومئ بالتيه والضياع وولوج عوالم المعرفة كعولس و السندباد, ممّا يشعرنا بوحدة جوهر الوجود.
وعبر الأقنعة الأسطورية والتراثية تم له التواصل التاريخي بين ما يموت وما لا يموت, بين أبي العلاء وبشر الصوفي وبين الإنسان المعاصر, حيث تمّ الدمج بين الماضي و الحاضر و المستقبل .
——————————————————-
(1) دراسات في النقد الأدبي المعاصر, د. محمد زكي العشماوي, ص129.
(2) الأسطورة في الشّعر العربيّ الحديث, د. أنس داوود, ص243.
(3) الميزان الجديد, د. محمد مندور, ص 30.
(4) الشعر العربيّ المعاصر, قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية, د. عز الدين إسماعيل, ص203.
(5) اتجاهات الشعر العربي المعاصر, د. إحسان عباس, ص 263.
(6) المجموعة الكاملة, أدونيس, المجلد الأول, ص 263.
(7) المجموعة الكاملة, خليل حاوي, ص 225.
منقول
عكف أصحاب هذا المسار الشعري الجديد, على إرساء تجربة شعرية محدثة, حين أتوا على التغيير في الشكل باللجوء إلى شعر التفعيلة كما عمدوا إلى تنويع التجارب وإثرائها, فالتجربة الشعرية الجديدة تترك للشاعر الحرية في أن يخوض عوالم متباينة بعضها من داخل نفسه والآخر من خارجها فهي بذلك تجربة تجوب الآفاق, وهي متدفقة عارمة تحطم ما يعوقها وترفض أن تخضع لقوالب (1).
لقد بدأ الشّاعر المعاصر بالتنقيب في تراثه الحضاري وآثاره الأدبية, فوسع من مصادره وإشاراته الأسطورية ليصقل تجاربه المتمردة, فالأسطورة كانت دائما جزءا من التراث الذي لم يغفل عنه الإنسان المبدع يوما, فتبلورت ضمن تجارب وسياقات محدثة تقف بها عند مشارف الرمز, وتجعل منها صورة شعرية قادرة على الإثارة وتكشف مجموعة من الدلالات الشعورية و الفكرية (2), فاكتست في مرحلة متقدمة رؤيا رمزية كشفية لا مجرد موضوع للقصيدة أو إقحام لشخصيات تاريخية وأسطورية, كما يذهب إلى ذلك مندور حين يصرح: إنّنا لن نستطيع أن نخلق من أسطورة معروفة قيما فنية جديدة, ما لم نتمثلها حتى تصبح جزءا من أصالتنا (3), ذلك أنّ الشّاعر المعاصر كان على وعي بلغة الإنسان الأول وخيالاته ومشاغله, فتمثلها على نحو معاصر لتعبر عن مشاغله ورؤاه وتطلعاته, كما أنّه استجاب إلى دعوات الغرب في خلق أسطورة الإنسان, كما يدعي سارتر وجورج لوكاتش حينما شدّدا على مطالبة الشّعراء والنّقاد بأن يقدموا رموزا للحياة, وأن يعطوا للخرافات والأساطير الباقية طابعا يوضح تساؤلاتنا.
لقد ظهر تأثير إليوت جليا في ما نظمه شعراء التفعيلة على خلاف مدارس التجديد الأولى التي لم تهضم التوظيف الجديد, الذي ظهر عند إليوت وجويس, فعبر الشاعر المعاصر من خلال الأسطورة عن هاجس الإنسان العربيّ, وأوضاعه في واقع يحكمه الاحتلال, وتتعالى فيه صيحات الحركات التحررية والقومية لتنتشل الوضع من براثينه, فتعالت أصوات كصوت السّياب, و أدونيس, و خليل حاوي, ويوسف الخال…..حاملة مشروعا انبعاثيا حضاريا كامتداد لنهضة الأمة العربيّة ونزعاتها التحررية, هذا الانبعاث الذي تجسد في شخوص أسطورية كتموز و أدونيس و عشتار وبعل وأوزيريس وطائر الفينيق, لتعاود الرموز الوثنية الظهور من جديد في حياة الإنسان, لكن في مرحلة أكثر تحضرا و اضطرابا في الوقت ذاته, كما ظهرت رموز برومثيوس وسيزيف والمسيح للتعبير عن آلام ومعاناة الإنسان العربيّ, وأخرى كسندباد و أورفيوس و إيكار تعبيرا عن قلق روحي ومادي, ومن هنا يمكن لنا أن نرصد كيف تعامل الشّاعر المعاصر مع التراث الأسطوري.
1- توظيف الأسطورة بالاقتصار على الدلالة الأولية, فنجد الشعراء أحيانا يستلهمون الأسطورة القديمة في مجملها من حيث هي تعبير قديم ذو مغزى معين, كاستلهام أسطورة أوديب وأبي الهول أو قصة بينلوب وأوليس (4), فهي بذلك تفسيرية ذات بعد واحد في القصيدة هو البعد الأولي, أو كاستعارة أو صورة بديعية إذ أخذت الأساطير أحيانا واقتصرت على الدخول في بناء القصيدة دون تمثل لها ولأبعادها فوضح أنها دخيلة قلقة في موضعها, أو أنّها جاءت أحيانا لا تؤدي سوى وظيفة تفسيرية أو توضيحية, شأنها في ذلك شأن التشبيه في الشعر القديم (5), أو إلى تكديس الرموز الأسطورية في القصيدة الواحدة كما ظهر عند يوسف الخال: وقبلما نهم بالرّحيل نذبح الخراف
واحدا لعشتروت, وواحدا لأدونيس
وواحدا لبعل.
2- إنّ الاقتصار على إقحام الأسطورة كأداة تفسيرية موضحة ظهر في بداية هذه المرحلة, وبعد أن تطورت هذه التجربة الشعرية, دخلت الأسطورة كعنصر بنائي عضوي في القصيدة, أي الحضور الرمزي كليا حيث يضفي عليها الشاعر دلالات جديدة, برد شخوصها وأحداثها ومواقفها إلى شخصيات وأحداث ومواقف معاصرة, كما ظهر عند أدونيس في قصيدته ترتيلة البعث (6), حيث يعمد إلى أسطورة فينيق وهو الطائر الذي يموت احتراقا ويبعث من رماده فنيق جديد, فموته عند أدونيس كان أملا ورجاء في بعث الحضارة العربيّة من جديد, يقول:
فنيق يا فنيق
يا طائر الحنين والحريق
……………………..
فنيق أنت من يرى سوادنا
يحسّ كيف نمحى
فنيق مت فدى لنا
فنيق ولتبدأ الحرائق
لتبدأ الشقائق
لتبدأ الحياة
3- ويتطور البناء الأسطوري, ليتعدى الأسطورة الجاهزة إلى خلق الشّاعر أساطيره الخاصة وفق رؤاه وإيحاءاته ومحاولته الكشفية, فأسطورة الشّاعر تفكك البناء الميثولوجي لتبني بناءها الخاص, كما ظهر عند خليل حاوي في قصيدته السندباد في رحلته الثامنة (7), فالسندباد أصبح لديه نموذجا فنيا, يجوب عوالم النّفوس ويسبر أغوارها, فهو لن يعود إلينا كعادته بالكنوز والمعرفة, بل سيعود إلينا نبيّا وشاعرا, يقول:
ضيّعت رأس المال والتّجارة
عدت إليكم شاعرا في فمه بشاره
بفطرة تحسّ ما في رحم الفصول
تراه قبل أن يولد في الفصول
لقد وفق الشّاعر المعاصر في استخدامه للأسطورة في أن يجمع بين الذات والموضوع, بين الكليّ والجزئيّ لينصهر في كلّ متكامل, فيشكل بذلك وحدة عضوية, كما يتضح ذلك في شعر خليل حاوي, واستطاع أن يكسب التجربة الجديدة بعدين, بعد شخصي وبعد تراثي, فتتحرك الأحداث والشخوص الأسطورية خلف نقاب شفاف من الإشارات والرموز, التي تومئ ولا تفصح, فتتقارب الإشارات المتنافرة وتتوحد الشخوص باختلاف مصادرها, لتوحي ببعث جديد كالمسيح وتموز و أدونيس, أو تومئ بالتيه والضياع وولوج عوالم المعرفة كعولس و السندباد, ممّا يشعرنا بوحدة جوهر الوجود.
وعبر الأقنعة الأسطورية والتراثية تم له التواصل التاريخي بين ما يموت وما لا يموت, بين أبي العلاء وبشر الصوفي وبين الإنسان المعاصر, حيث تمّ الدمج بين الماضي و الحاضر و المستقبل .
——————————————————-
(1) دراسات في النقد الأدبي المعاصر, د. محمد زكي العشماوي, ص129.
(2) الأسطورة في الشّعر العربيّ الحديث, د. أنس داوود, ص243.
(3) الميزان الجديد, د. محمد مندور, ص 30.
(4) الشعر العربيّ المعاصر, قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية, د. عز الدين إسماعيل, ص203.
(5) اتجاهات الشعر العربي المعاصر, د. إحسان عباس, ص 263.
(6) المجموعة الكاملة, أدونيس, المجلد الأول, ص 263.
(7) المجموعة الكاملة, خليل حاوي, ص 225.
منقول
النبراس- مشرف
-
عدد المساهمات : 57
تاريخ التسجيل : 20/08/2009
العمر : 59
مواضيع مماثلة
» مدرسة الديوان1
» مدرسة المهجر
» مدرسة الإحياء والبعث
» مدرسة التحليل والنقد النفسي
» الشعر الكلاسيكي في أدبنا العربي الحديث
» مدرسة المهجر
» مدرسة الإحياء والبعث
» مدرسة التحليل والنقد النفسي
» الشعر الكلاسيكي في أدبنا العربي الحديث
ثانوية ابن خلدون التأهيلية ببوزنيقة :: الدروس :: 2AB :: الشعب الأدبية :: مادة اللغة العربية :: النصوص
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى