التربية على المواطنة : نوره الغامدي
صفحة 1 من اصل 1
التربية على المواطنة : نوره الغامدي
نوره الغامدي
أينما يوجد وطن فلابد من وجود مواطن، فالوطن بلا مواطن كالشجرة الخاوية على عروشها، والمواطن بلا وطن إنسان بلا هوية تائه في الأرض .
وتعبر الوطنية عن ارتباط مجموعة من البشر بأرض محددة هذا التجمع يربط بينهم رمز وعلم ونشيد وطني ، والوطنية في اللغة تعنى أرض الآباء وفيها أشارة إلى اعتبارات عاطفية ، وتاريخية ، فالوطنية انتماء، وهدف، وولاء لقيم ومبادئ، واعتزاز بالأرض. (حسين كامل ، 2000 : 92-107)
ولقد ظهرت المواطنة نتيجة اتساع نطاق العولمة باعتبارها عملية تاريخية أصبحت تشمل الثقافة والسياسة والاقتصاد ، وهى مصدر العلاقات الاجتماعية على افتراض أن هذه العلاقات تستقيم على أساس الانتماء . (السيد ياسين ، 2005 : 14) فهي- المواطنة - أحدى المصطلحات ذات الصلة بقضايا الانتماء الوطني حيث تعرفها سميحة عباس القاري (2005) بأنها " الانتماء للوطن وانتساب المرء له مع بذل كل ما فيه مصلحة وطنه" ، كما أنها " تعبير عن حركة المواطن في اتجاه أثبات وجوده في جماعة معينة بحيث يمثل انتماءه لها شكلاًَ للانتماء الوطني". (سمير مرقس ، 2005 : 23) ، وقد أجريت العديد من الأبحاث والدراسات التي اهتمت بهذا المجال ؛ ومنها دراسة كريمان محمد بدير (1991) بعنوان : أثر الأنشطة التربوية لطفل ما قبل المدرسة في تنمية الانتماء الوطني ؛ وقد أسفرت نتائج الدراسة عن أهمية الأنشطة القصصية ، والفنية ، والبيئية في تعميق الانتماء الوطني لدى الأطفال ، كما هدفت دراسة" ليزابيبز باكهانو"، تنمية اتجاهات المواطنة لدى الأطفال ، وقد كشفت عن ضرورة (1997) Pachano Lizabebth .
غرس المبادئ الأولى للمواطنة لدى الأطفال الصغار ؛ وقد أوصت دراسة (لطيفة الكندري : 2007) بتزويد الأسرة بمهارات غرس المواطنة المسئولة المبدعة المفكرة وتنشيط دورها في تدريب الناشئة على الالتزام بقواعد النظام ، واحترام القوانين ، وتحمل المسئولية، ودعوة الوسائط التربوية (المدارس – أجهزة الإعلام - المساجد...) إلى استثمار التراث الإسلامي في توعية وتوجيه السلوك نحو الولاء للوطن والعطاء للإنسانية .
في حين اهتمت دراسة عبد الفتاح غزال (2000) بتصميم مقياس بهدف تقدير الانتماء لدى طفل ما قبل المدرسة ، وقد تناولت دراسة تغريد محمد (2007) تأثير تدريس مادة التاريخ لتنمية الولاء والانتماء ، ومعرفة مكونات قيمة الانتماء ، وكان من بين أهم النتائج التي أسفرت عنها الدراسة ارتفاع مستوى أداء الأطفال في أبعاد الانتماء وهى : الولاء للوطن ، المحافظة على الهوية ، الاعتزاز بحضارة الوطن وتاريخه ، المحافظة على الآثار ، وذلك لصالح التطبيق البعدي ، وفى دراسة صابرين عبد العاطي (2007) عن الهوية الثقافية الوطنية للطفل المصري في رياض الأطفال أوصت بتدعيم الأنشطة المقدمة للأطفال بحيث تشمل السلوكيات الحميدة ، والمعاملات المرغوبة ؛ وهو الجانب الاجتماعي في الدين الإسلامي بقيمه فنجده يحث على : النظافة ، التعاون ، حب الآخر ، السلام ، حسن المصاحبة ، وغيرها ، ويقصد بتربية المواطنة عملية التنشئة الهادفة إلى تعزيز شعور الفرد بانتمائه إلى المجتمع وقيمه ونظامه وبيئته وثقافته بشكل يرقى إلى حد تمثّـل هذا الشعور في سلوكه ، وفي دفاعه عن قيم وطنه ومكتسباته ، وبخصوص هذا الأمر يرى آلقارا (2002) أن تربية المواطنة تتضمن تنمية معرفة الفرد بمجتمعه ، وتفاعله إيجابياً مع أفراده بشكل يسهم في تكوين مواطنين صالحين متمكنين من الحكم على ما يعترضهم داخل مجتمعهم وخارجه ، أما التنشئة في ذاتها فيراد بها التنشئة الاجتماعية ، وهي لدى ماركسون وهيـس (1989) " العملية التي يتعلم من خلالها الفرد أنماط السلوك الخاصة بمجتمعه ، ويقوم في الوقت نفسه بتطوير الشعور بالذات ". (المركز الوطني للوثائق التربوية :2002)
وتعتبر الأسرة أهم عناصر التنشئة الاجتماعية والسياسية فهي أول مؤسسة يتعامل معها الطفل ، وتعد فترة الطفولة المبكرة أهم الفترات من حيث تشكيل الشخصية وتحديد معالم سلوكه الاجتماعي ويظهر دورها الكبير هنا في التنشئة السياسية حيث تفتقر برامجنا التربوية لهؤلاء الأطفال إلى إكساب المفاهيم السياسية من حيث الرموز الوطنية ؛ وفى الوقت نفسه نجد دراسة " دافيد وروبرت هليس " في الولايات الأمريكية المتحدة توضح أن التعليم السياسي للطفل الأمريكي يبدأ في سن الثالثة حيث يرتبط عاطفياًَ برموز بلده ، وصور هيكلها السياسي مثل (العلم القومي، الحدائق، المزارات السياحية، رجل الشرطة والجنود،..) حيث يكتسب الطفل التواجد القومي المطلوب غرسه كأن يقول "هذا علم بلدي" ، وفى هذا الصدد توصلت دراسة "شوار كزاولى" إلى أن (90%) من أطفال مرحلة ما قبل المدرسة استطاعوا تحديد علم دولتهم عندما عرضت عليهم الباحثة صورة تتكون من (9) أعلام من بينهم علم الولايات المتحدة الأمريكية. (محمود حسن إسماعيل ، ب.ت : 31-35)
وتشير بهيجة الديلمى (2007) إلى كيفية غرس الانتماء في نفسية الطفل منذ نعومة أظافره قائلة: أن الطفل يعيش في دوائر من البيئات الاجتماعية تبدأ بذاته ، ولذلك يجب على الأسرة أن تنمي فيه الشعور والتقدير لذاته كي يشب وهو فخور ومعتز بوجوده في هذه الأسرة مما يجعله يشعر بالانتماء إليها ، ثم تبدأ الأسرة بتوسيع دائرة المعارف لدى الطفل ولكن ليس بالوعظ والإرشاد والشعارات وإنما بالسلوك والتصرفات ، من خلال تحميله بمجموعة من المسئوليات والواجبات وأيضا الحقوق كي تنمى فيه القدرة على إيجاد توازن لمنظومة القيم بداخله ، وحتى يعرف أن عليه واجبات وله حقوق ، ويستمر دور الأسرة في تعزيز الإحساس بالمواطنة داخل الطفل ، وذلك بحثه على المحافظة على نظافة أي مكان يذهب إليه ، مثل الحديقة أو المجمع التجاري حتى يشعر بأن هذا المكان يخصه وبالتالي يشعر بالانتماء إليه ، كما أن احتكاك الطفل بزملائه في المدرسة يجعله يشعر بذاته من خلال الآخرين ، وشعوره بأنه جزء من مجموع يخلق توازنا نفسيا داخله مما يجعله ينتمي إلى مجتمع المدرسة ، التي يجب أن تشرح للطفل ببساطة معنى الانتماء للرموز الوطنية المتمثلة في العلم والخريطة والسلام الوطني ؛ فعندما يطلب من الطفل أن يحترم العلم فيجب أن يفهم بطريقة مبسطة ما معنى العلم ، أو الوقوف عند عزف السلام الوطني فيجب أن يفهم لماذا يقف؟
وفى هذا الصدد أوردت (شعلة شكيب :2002) أهم المجالات التي يتحتم على الأسرة التركيز عليها لتعزيز مقومات المواطنة الصالحة في أطفالها ويمكن سردها فيما يلي :
§ حب الوطن والانتماء له : تأصيل الشعور بشرف الانتماء للوطن ، والعمل من أجل رقيه وتقدمه، وحب العمل من أجل الوطن ودفع الضرر عنه.
§ ربط الطفل بدينه : تنشئته على التمسك بمبادئ دينه ، والربط بينه وبين هويته الدينية.
§ تعويد الطفل على الطهارة الأخلاقية : وصيانة النفس والأهل والوطن من كل الأمراض الاجتماعية والأخلاقية الذميمة.
§ تعزيز الثقافة الوطنية : بنقل المفاهيم الوطنية للطفل ، وبث الوعي فيه بتاريخ الوطن وإنجازاته ، وتثقيفه بالأهمية الجغرافية والاقتصادية للوطن .
§ العمل على إدراك الطفل للرمز السياسي للعلم والنشيد الوطني ، ولاحترام القيادة السياسية للبلاد .
§ تعويد الطفل على احترام القانون : وكذلك الأنظمة التي تنظم شئون الوطن وتحافظ على حقوق المواطنين وتسير شئونهم ، وتنشئة الطفل على حب التقيد بالنظام والعمل به.
§ تهذيب سلوك وأخلاق الطفل ، وتربيته على حب الآخرين والإحسان لهم .
§ حب المناسبات الوطنية الهادفة : والمشاركة فيها والتفاعل معها : وكذلك المشاركة في نشاطات المؤسسات الأهلية وإسهاماتها في خدمة المجتمع بالمشاركة في الأسابيع التي تدل على تعاون المجتمع ، كأسبوع الشجرة وأسبوع مكافحة التدخين وأسبوع المرور، وأسبوع العناية بالمساجد وغيرها .
§ تعويد الطفل على حب العمل المشترك : وحب الإنفاق على المحتاجين ، وحب التفاهم والتعاون .
التربية على المواطنة وحقوق الإنسان :
حقوق الإنسان هي تلك المعايير الأساسية التي بدونها لا يستطيع الإنسان العيش بكرامة ، والدفاع عن حقوق الإنسان هو المطالبة باحترام كرامة جميع الناس ؛ وتشمل حقوق الإنسان فئات متعددة منها: حقوق مدنية، وحقوق سياسية ، وحقوق اقتصادية ، وحقوق اجتماعية ، وحقوق جسمية . (جاك دونللى ، 1998 : 24)
ولئن بدت المواطنة هي المحرك الذي يعنى بتفعيل حقوق الإنسان وتحويلها من منظومة قانونية مجردة إلى منظومة سلوكيات ، وأفعال تمارس طبيعيا وبشكل محسوس ، فلا جدوى لحقوق الإنسان في غياب دينامية المواطنة لأنها أكثر الآليات صدقا لتأكيد عالمية هذه الحقوق وترابطها، وأوضحها نهجاًَ لترجمة قيمها ومبادئها إلى واقع ملموس يعيشه الأفراد والجماعات على كافة المستويات. (فهد إبراهيم الحبيب : 2007) فالمواطنة لا تعني فقط الاستفادة من الحقوق ، لكنها تعني أيضا القيام بالواجبات تجاه الوطن والمجتمع والاستعداد للتضحية من أجل تقدمه وازدهاره .
إن التربية على المواطنة وحقوق الإنسان عمل يهدف إلى ترسيخ ثقافة تدافع عن الإنسان ، وعن حقوقه في الوجود والتفكير والممارسة ، وهو أمر له مشروعيته في عالم مليء بمظاهر انتهاك حقوق الإنسان ، دوليا ووطنيا . (أحمد اتزكنرمت : 2006)
ولاشك أن تلك الحقوق متأصلة في طبيعتنا ، ولا يمكن دونها أن نعيش باعتبارنا بشرا . فحقوق الإنسان والحريات الأساسية تتيح لنا أن نطور ، وأن نستخدم بشكل كامل صفاتنا البشرية وذكاءنا ومواهبنا ووعينا ، وأن نلبي احتياجاتنا الروحية وغيرها من الاحتياجات .
وترتبط حقوق الإنسان ، إذن ، بذات الكائن البشري في وجوده الأصلي كما أنها تعبر عن مختلف أبعاد شخصية الإنسان ، وتدخله في تنظيم قانوني واجتماعي يحدد الحقوق والواجبات ، ويضمن ممارستها واستمرارها ، ومن هنا أصبحت حقوق الإنسان موضوع توثيق من طرف الهيئات والمنظمات الدولية والوطنية، الحكومية أو غير الحكومية كما غدت تلك الحقوق موضوع دفاع ونضال في المؤتمرات والملتقيات، سواء في صيغتها الموحدة والعامة المعبر عنها بـ"حقوق الإنسان"، أو في صيغتها المتعددة والخاصة المعبر عنها بـ"حقوق الطفل" ، أو "حقوق المرأة" ، أو "حقوق الشيوخ" ، أو "الحقوق الثقافية"، أو "الحقوق السياسية"، أو "الحقوق الاجتماعية"، أو "الحقوق الاقتصادية"، أو "الحقوق البيولوجية" الخ . (أحمد اتزكنرمت : 2006)
إن الأمر يتعلق بتكوين شخصية الطفل المتعلم تتأسس نظرتها إلى الحياة ووجدانها ومشاعرها على ما تقتضيه ثقافة حقوق الإنسان من ممارسات وعلاقات بين الأفراد ، ثم بين الفرد والمجتمع ولعل ذلك ما يسمح باستنتاج أن التربية على حقوق الإنسان في هذا البحث تهدف إلى تنشئة الطفل اليتيم على قيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان ، حتى يستطيع ممارستها في سلوكه اليومي من خلال تمسكه بحقوقه واحترامه لحقوق غيره.
مواضيع مماثلة
» التربية على المواطنة
» مصطلحات في التربية على المواطنة
» التربية على المواطنة..تبدأ من الأعلى
» الحياة المدرسية ورشة التربية على المواطنة وتحقيق التنمية1
» التربية المدنية: دراسة في أزمة الانتماء والمواطنة في التربية العربية
» مصطلحات في التربية على المواطنة
» التربية على المواطنة..تبدأ من الأعلى
» الحياة المدرسية ورشة التربية على المواطنة وتحقيق التنمية1
» التربية المدنية: دراسة في أزمة الانتماء والمواطنة في التربية العربية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى