منهجية الكتابة في مادة الفلسفة
صفحة 1 من اصل 1
منهجية الكتابة في مادة الفلسفة
إن منهجية الكتابة في مادة الفلسفة تتجسد عمليا في مجموع الخطوات العامة التي تهيكل الموضوع، وتشكل العمود الفقري لوحدته وتماسكه. وبما أن الأسئلة تتنوع في السنة النهائية إلى أشكال ثلاثة :
النص الموضوع
القولة-السؤال
السؤال المفتوح
فسنحاول فيما يلي إعطاء تصور عام حول كل طريقة على حدة :
* منهجية مقاربة النص
يجب اعتبار النص المادة التي سينصب عليها التفكير، لذا تجب قراءته قراءة متأنية للتمكن من وضعه (النص) في سياق موضوعات المقرر؛ وبالتالي اكتشاف أطروحة المؤلف وموقعتها داخل الإشكاليات المثارة حول قضية أو إشكاية أو مفهوم... ويجدر بنا أن نشير، في هذا المقام، إلى أن منهجية المقاربة يحددها السؤال المذيل للنص، علما بأن النصوص عادة ما تطرح في السنة النهائية للتحليل والمناقشة بالنسبة لجميع الشعب. وعليه، نرى أن منهجية مقاربة النص لا تخرج من حيث الشكل على أية كتابة إنشائية (مقدمة ـ عرض ـ خاتمة)، إلا أن لمقاربة النص الفلسفي خصوصيات تحددها طبيعة مادة الفلسفة نفسها. وسنعمل في التالي على بسط هذه منهجية هذه المقاربة على ضوء تلك الخصوصيات.
1) طبيعة المقدمة :
إن المقدمة تعتبر مدخلا للموضوع، لذا يجب أن تخلو من كل إجابة صريحة عن المطلوب، حيث يفترض ألا توحي بمضامين العرض، لأنها بهذا الشكل تمنع من استكشاف ما هو آت، وخصوصا لأن المقدمة ستكتسي شكل إجابة متسرعة.
كما أن المقدمة تعبير صريح عن قدرات وكفايات عقلية، يمكن حصرها في الفهم (الأمر يتعلق هنا بفهم النص وفهم السؤال)، وبناء الإشكالية. وعليه، يجب أن تشتمل (=المقدمة) على ثلاث لحظات أساسية يتم فيها الانتقال من العام إلى الخاص : أي من لحظة تقديم عام هدفه محاصرة الإشكالية (cerner la problématique ) التي يتموقع داخل النص، تليها لحظة التأطير الإشكالي للنص، وبالتالي موقعته (=النص) داخل الإطار الإشكالي الذي يتحدد داخله، ثم الانتهاء بلحظة ثالثة تتمثل في طرح الإشكالية من خلال تساؤلات يمكن اعتبارها تلميحا للخطوات التوجيهية التي ستقود العرض.
علما بأن طرح الإشكالية ليس مجرد صيغة تساؤلية، وإنما هو طرح للتساؤلات الضرورية والمناسبة، والتي يمكن اعتبار الكتابة اللاحقة إجابة عنها. هكذا يمكن الاقتصار (أحيانا) على تساؤلين أساسيين : تساؤل تحليلي(يوجه التحليل)، وتساؤل نقدي تقويمي (يوجه المناقشة)، علما بأن هناك أسئلة أخرى يمكن اعتبارها ضمنية نهتدي بها داخل فترات من العرض، حفاظا على الطابع الإشكالي للمقدمة.
إن المقدمة – إذن - ليست استباقا للتحليل، ذلك ما يحتم الحفاظ على طابعها الإشكالي، ومن خلال ذلك الحفاظ على خصوصية مرحلة التحليل التي يفترض أن تكون لحظة تأمل في النص، من أجل الوقوف على الطرح المعروض داخله وإبراز خصوصياته ومكوناته.
2) طبيعة العرض :
يمكن اعتبار العرض إجابة مباشرة على الإشكالية، ومن ثمة فإن العرض يتضمن لحظتين كتابيتين أساسيتين، هما لحظتا التحليل والمناقشة.
2-1 لحظة التحليل :
إن هذه المرحلة من المقاربة عبارة عن قراءة للنص من الداخل لاستكشاف مضامينه وخباياه، وبالتالي تفكيك بنيته المنطقية وتماسكه الداخليين، كأننا نحاول أن نتأمل عقلية المؤلف لفهم الأسباب التي جعلته يتبنى الطرح الذي تبناه، ويفكر بالطريقة التي فكر بها. ومن ثمة، لابد من توجيه التحليل بالأسئلة الضمنية التالية: ماذا يصنع المؤلف في هذا النص، أو ماذا يقول؟ كيف توصل إلى ذلك؟ ما هي الحجاج التي وظفها للتوصل إلى ما توصل إليه؟
فالسؤال الضمني الأول يحتم إبراز الموقف النهائي للمؤلف من الإشكالية التي عالجه و/أو إبراز طبيعة أهمية الإشكالية التي أثارها... والسؤال الضمني الثاني يدفع إلى التدرج الفكري مع المؤلف، والسير معه في أهم اللحظات الفكرية التي وجهت تفكيره. أما السؤال الضمني الأخير هو سؤال يستهدف الوقوف عند البنية الحجاجية التي تبناها المؤلف، وبالتالي الوقوف عند الحجاج الضمنية والصريحة التي وظفها لدعم أطروحته، وتحديد خصوصيتها، وطبيعتها...
فالتحليل – إذن - هو لحظة تأمل في المضامين الفكرية للنص وهو في الآن ذاته لحظة الكشف عن المنطق الذي من خلاله بنى المؤلف تصوره.
2ـ2 لحظة المناقشة :
إن المناقشة لحظة فكرية تمكن من توظيف المكتسب المعرفي، بشكل يتلاءم مع الموضوع وبطريقة مناسبة...
يجب التأكيد، في هذا المقام، على أن المعلومات المكتسبة تؤدي دورا وظيفيا ومن ثم يجب تفادي السرد والإستظهار... وبعبارة أخرى، علينا أن نستغل المعلومات الضرورية بالشكل المناسب، بحيث يصبح مضمون النص هو الذي يتحكم في المعارف وليس العكس. هكذا سنتمكن من اعتبار المناقشة شكلا من أشكال القراءة النقدية لأطروحة النص، التي تكتسي غالبا صورة نقد داخلي و/أو خارجي تتم فيه مقارنة التصور الذي يتبناه النص بأطروحات تؤيده وأخرى تعارضه، وذلك من خلال توظيف سجالي نحرص من خلاله على أن نبرز مواطن التأييد أو المعارضة.
3) طبيعة الخاتمة :
يجب أن تكون الخاتمة استنتاجا تركيبا مستلهما من العرض، أي استنتاجا يمكن من إبداء رأي شخصي من موقف المؤلف مبرر(إن اقتضى الحال) دون إسهاب أو تطويل. فمن الأهداف الأساسية التي يتوخاها تعلم الفلسفة تعلم النقد والإيمان بالاختلاف.
منهجية مقاربة السؤال المفتوح:
إن التوجيهات الصادرة في هذا الشأن، ا تؤكد على تصور منهجي مضبوط لمقاربة السؤال المفتوح، وهذا أمر يفسح المجال لكثير من التضاربات والتأويلات. ونعتقد أن طريقة السؤال المفتوح هي - بالعكس - من الطرق، الأكثر استعمالا لتقييم التلاميذ مقارنة مع طريقة القولة-السؤال. حيث أن الملاحظة الموضوعية تبين أن المواضيع المقترحة – في فرنسا نموذجا – تكاد تنحصر في نوعين : السؤال المفتوح ومقاربة النص. وحتى تكون منهجية مقاربة السؤال المفتوح، في المتناول سنصحب الخطوات النظرية بنموذج، الهدف منه الاقتراب من الكيفية التي يمكن من خلالها فهم الجانب النظري. من أجل ذلك، نقترح السؤال التالي : " هل يمكن اعتبار الشخصية حتمية اجتماعية ؟ "
يمكن أن نلاحظ أن هذا السؤال قابل لكي نجيب عليه بالنفي أو الإيجاب أو برأي ثالث يتأرجح بينهما...إلخ. صحيح أن الفلسفة تفكير نقدي، إلا أنها، في ذات الوقت، تفكير عقلي منطقي ينبني على المساءلة، والفهم، والتفكير، قبل إصدار الأحكام. وحتى لا يظهر موضوعنا في صورة الأحكام القبلية والجاهزة ؛ لا بد من أن يكتسي صيغة إنشاء، أي بناء فكري متدرج ينطلق من الفهم إلى النقد، مستثمرين الأطروحات الفكرية والفلسفية التي نعرفها.
لنتفحص السؤال المطروح أولا :
يلاحظ ، أننا إذا أزلنا الطابع الاستفهامي للسؤال ( هل] يمكن اعتبار الشخصية حتمية اجتماعية [؟ )، نحصل على العبارة التالية : " يمكن اعتبار الشخصية حتمية اجتماعية ". الأمر الذي يستدعي منا، أولا، توضيح ما معنى أن تكون الشخصية حتمية اجتماعية؟ ! قبل أن ننطلق في مناقشة " هل يمكن اعتبارها حتمية اجتماعية ؟ ". ونعتقد أن تسجيل هذه الملاحظة الأولية سيساعدنا على تمثل الخطوات المنهجية اللاحقة.
1) طبيعة المقدمة
لا يجب، أبدا، أن ننسى أن هدف المقدمة في الفلسفة، هو أن نحول الموضوع، المطروح علينا، إلى قضية إشكالية. وعليه، لابد أن يتحول السؤال ذاته، إلى إشكالية. وذلك بتأطيره، أولا، داخل الموضوعة العامة، ثم داخل الإشكالية الخاصة. كما هو الشأن بالنسبة للنص، أو القولة. لكي تنتهي مقدمتنا، بالتساؤلات الضرورية، المستلهمة من السؤال المطروح علينا ذاته. وحتى يكون كلامنا إجرائيا نعود إلى " سؤالنا ".
للتأطير الإشكالي، للسؤال المقترح، يمكن أن يتخذ تقديمنا العام، صيغا متنوعة. كأن نستغل – مثلا - التنوع الدلالي لمفهوم الشخصية، أو نستغل طبيعة الفلسفة وما تتسم به من خصوصية في دراستها للقضايا المتميزة بطابعها الإشكالي، لنخلص بعد ذلك إلى التأطير الإشكالي للسؤال، بإظهار أن هذا السؤال يحتم علينا مقاربة مفهوم الشخصية خصوصا من حيث إشكالية الشخصية وأنظمة بنائها. لننتهي إلى طرح الإشكالية من خلال صيغة تساؤلية كالآتي : ما معنى أن تكون الشخصية حتمية اجتماعية؟ وإلى أي حد يمكن اعتبارها (أي الشخصية) منتوجا حتميا لمعطيات اجتماعية موضوعية ؟ فلا يجب أن ننسى أن المهم في بناء الإشكالية، ليس هو وضع التساؤلات لذاتها، ولا عددها ؛ وإنما التعبير عن التساؤلات التي سنجيب عنها، والتي لن تؤدي الإجابة عنها إلى الخروج عن الموضوع.
2) طبيعة العرض
ينقسم العرض إلى مرحلتين، وبالتالي لحظتين فكريتين متكاملتين :
مرحلة فهم القضية المطروحة علينا لتقييمها، ويجب في ذلك أن نستغل مكتسبنا المعرفي والأطروحات التي درست. حيث يجب أن تنم كتابتنا عن تأطير فكري للقضية التي سنناقشها. ومن أجل ذلك، يجب أن تبتعد كتابتنا عن العموميات و"الكلام المبتذل" الذي يمكن أن نجده عند "أي كان". إلا أنه، في ذات الوقت يجب أن نتحاشى الطابع السردي، الذي لا ينم إلا عن الحفظ والاستظهار. فنعمل، بالتالي، عن الاستثمار الوظيفي الجيد للمدروس (في الفصل أو خارجه).
وبالنسبة " لسؤالنا " يتعلق الأمر هنا بإظهار تميز الخطاب السوسيوثقافي في التأكيد على الحتمية الاجتماعية للشخصية وأهمية التنشئة الاجتماعية في بنائها (توظيف نماذج من الأطروحات السوسيوثقافية)، مع الحرص على إبراز اقتراب بعض التصورات السيكولوجية من هذا التمثل. حيث، أن المدرسة السلوكية – مثلا – تنفي دور الاستعدادات الفطرية، والمؤهلات الفردية، في بناء الشخصية. كما تتميز المدرسة اللاشعورية، بتنويع مكونات الشخصية، إلى جانب فطري (الهو) وآخر ثقافي (الأنا والأنا الأعلى) والتأكيد على توجيه الجانب الثقافي للفطري. مما يؤكد التفاف العلوم الإنسانية (باستثناء المدرسة الشعورية) حول حتمية الشخصية. ويمكن الإشارة إلى وجود أطروحات فلسفية – قريبة من العلوم الإنسانية - تؤكد على الحتمية الاجتماعية للإنسان (الماركسية مثلا).
ليتم بعد ذلك الانتقال إلى مرحلة البحث عن الأطروحات النقيض، وبالتالي، الاستغلال الوظيفي الجيد للأطروحات، التي ترى رأيا مناقضا لما تم طرحه سابقا بعيدا - كذلك - عن الحشو والسرد والاستظهار...
ويتعلق الأمر بالنسبة " لسؤالنا " بالأطروحات الفكرية التي تتمثل الشخصية، وبالتالي الإنسان، بعيدا عن الإكاراهات الاجتماعية المباشرة، أو النفسية، الناجمة عن تلك الإكراهات. ويتعلق الأمر - في هذا الصدد - بالخطاب الفلسفي الذي يربط الشخصية بالوعي (كانط وديكارت مثلا)، والخطاب الفلسفي، الذي ينفي عن الإنسان، كل ثبات، فيرى الشخصية في تجدد أصيل، وفي ديمومة (برغسون). أو يرى أن ليس للإنسان ماهية ثابتة، لأن "الإنسان يوجد أولا، ثم يحدد ماهيته بعد ذلك" معبرا عن إرادته وحريته (سارتر).
3) طبيعة الخاتمة
ما ننفك، نؤكد على أن الخاتمة، لابد أن تتوزع إلى استنتاج، ورأي شخصي. فالاستنتاج يجب أن يكون دائما مستلهما من العرض فيعتبر، بالتالي، حصيلة، وملاحظة موضوعية للتنوع الفكري الذي يشوب النظرة إلى القضايا ذات الطبيعة الفلسفية. الأمر الذي يعطي لنا، كذلك، الفرصة لندلي بدلونا في الأمر، ونعطي رأيا في الموضوع. إلا أن هذا الرأي، لابد أن يكون مبررا باقتضاب، فنوظف - من أجل ذلك - ما نعرفه من أطروحات. وفي كل الأحوال يجب أن نتحاشى الآراء الفضفاضة من قبيل "الأجدر أن نتبنى ما ذهب إليه الخطاب الفلسفي." أو "وفي هذا الموضوع يستحسن أن نتفق مع الخطاب السوسيوثقافي." ...إلخ، لأن هذا، كما يلاحظ، كلام يحتاج إلى بعض التوضيح.
منهجية مقاربة القولة
من الطرق التي تم اختيارها - إذن - لمساءلة المترشحين، لاجتياز امتحان الباكلوريا في مادة الفلسفة، طريقة القولة-السؤال. وفي هذا الإطار، وجب التنبيه إلى بعض الصعوبات، التي يمكن أن نجدها في مقاربة القولة، والتي يمكن أن نحصر أهمها فيما يلي :
• تعودنا على طريقة مقاربة النص طيلة الدورة الأولى، مما يؤدي إلى تعميم هذه المقاربة على القولة la citation.
• حجم القولة (الصغير) الذي لا يساعدنا كثيراعلى إدراك مضمون القولة بسرعة.
• فهم السؤال المذيل للقولة، وبالتالي موقعته بشكل من الأشكال داخل المكتسب المعرفي السابق.
ولتخطي هذه الصعوبات، وغيرها، لابد أن ندرك، أولا وقبل أي شيء، أن السؤال المذيل للقولة سؤال يتألف من مطلبين : مطلب يفترض فيه، أن يدفع بنا نحو الكشف عن الأطروحة المتضمنة في القولة، وبالتالي استخراجها. ثم مطلب يدفع بنا نحو مناقشة القولة، وبالتالي تقييم الأطروحة المفترض أن تتضمنها القولة. وسنحاول، فيما يلي، تقديم تصور نظري حول الخطوات المنهجية المتوقعة من مقاربة القولة.
1. طبيعة المقدمة
إن من خصوصيات الفلسفة، أنها لاتدرس إلا القضايا ذات الطبيعة الإشكالية. ومن ثمة، لا بد أن نعمل - في مستوى المقدمة - على تحويل القولة إلى قضية إشكالية. وذلك ما يجعل طريقة التقديم، في مقاربة القولة، قريبة من طريقة التقديم في مقاربة النص. ويستحسن، في صياغة الإشكالية، أن تتنوع الأسئلة إلى نوعين أسئلة ذات طبيعة ماهوية، وأسئلة ذات طبيعة نقدية تقويمية. بما أن المطلوب منا، أولا، هو استخراج أطروحة القولة، فالسؤال الماهوي، يتيح إمكانية التعمق في القولة و"الغوص" داخلها، بدل أن نحوم حولها. أما الأسئلة ذات الطبيعة النقدية، فهي توفر مناسبة للابتعاد النسبي عن القولة، وبالتالي إبراز قيمتها الفلسفية والفكرية على ضوء معطيات قبلية، وبالتالي أطروحات اكتسبناها سابقا.
2. طبيعة العرض
يتنوع العرض إلى لحظتين فكريتين مسترسلتين : لحظة القراءة ولحظة التقييم (أو النقد).
1.2 لحظة القراءة :
وهي لحظة مكاشفة القولة، وبالتالي اللحظة الفكرية التي يجب أن نلزم فيها القولة على التفتق للبوح بأطروحتها أو الخطاب الذي تحمله، أو التصور الذي تعرضه .. أو هذه الأمور كلها مجتمعة. وهذه القراءة تتنوع بدورها إلى قراءتين : سنصطلح على تسميتهما تباعا بالمقاربة المفاهيمية، و المقاربة الفكرية. ثم تليهما مباشرة لحظة الاعلان عن الأطروحة المتضمنة في القولة.
1.1.2 المقاربة المفاهيمية :
وهي لحظة وقوف عند المفاهيم الأساسية، للقولة التي يمكن اعتبارها مفاتيح ضرورية للكشف عن أطروحة القولة. إلا أنه يجب الحرص على أن تبتعد القراءة في المفاهيم، عن الشرح اللغوي والخطاب العمومي المبتذل، وأن تحاول الرقي إلى مستوى التنظير الفلسفي. خصوصا وأن المفترض، أنه يتم التعود على هذه المقاربة، أثناء توظيف النصوص داخل الفصل. علاوة على أن هذه مقاربة، يجب أن نتعود عليها في السنة الثانية أدب، على اعتبار أن أحد الأسئلة المذيلة لنصوص الاختبار، قد يحتم علينا ذلك. (بدل شرح "عبارة"، يمكن أن يطلب من تلاميذ السنة الثانية شرح مفهوم أو مفاهيم من النص...)
2.1.2 المقاربة الفكرية :
وهي اللحظة الفكرية، التي يجب أن نحول فيها القولة، إلى "مقولات" فكرية وبالتالي "أطر" نستطيع أن نوسعها فكريا وفلسفيا، حتى نجعلها تأخذ طابع الخصوصية. وبذلك نحول خطاب القولة "المقضب" إلى خطاب رحب، باعتباره، يحمل في مكنوناته أبعادا فكرية، وفلسفية، لايستطيع أن يكتشفها إلا من كلف نفسه عناء التأمل، والتفكر، والتدبر.
بعد ذلك، نستطيع الكشف عن أطروحة القولة، في صورة استنتاج، يظهر أن هذه اللحظة كانت ثمرة للمجهود الفكري الذي قمنا به أثناء القراءة السابقة.
2.2 لحظة التقييم
بما أننا - الآن - نعرف الأطروحة التي كانت القولة تخفيها في طياتها ؛ فإن ما يتوجب القيام به مباشرة - بعد ذلك - هو الانفتاح على المكتسب المعرفي السابق، وبالتالي البحث عن الأطروحات التي تسير في توجه القولة. ونحن نعتبر أن هذه المرحلة ليست تقييما، أو نقدا مطلقا، لأن في ذلك نوع من الإتمام للمرحلة السابقة. فالأطروحات التي سنأتي بها كنماذج، لا تأتي لتزكي طرح القولة فحسب، وإنما لتزكي كذلك القراءة التي قمنا بها، وتبين لماذا حددنا أطروحة القولة في موقف دون آخر، أو لماذا تندرج في خطاب فكري معين دون الخطابات الأخرى ...إلخ
لتأتي بعد ذلك لحظة التقييم الحاسم، والتي تتجلى في البحث عن النقيض، واالمعارض (l'antithèse ) في المكتسب المعرفي، واستثماره، بشكل يظهر بأن الموقف الذي تتبناه القولة ليس بالموقف النهائي.
3) طبيعة الخاتمة
كثيرا ما يتم الاستخفاف بالخاتمة ونحن نعتبرها لحظة حاسمة من لحظات الموضوع . فهي لحظة تفكر فيما سبق ولحظة تعبير عن الذات. لذا نعتبر الخاتمةاستنتاجا منبثقا من اللحظات الفكرية السابقة، وبالتالي تعبير عن رأينا الشخصي من موقف القولة. رأي ينطلق من الحق الأسمى (الذي لا يتناقض مع روح الفلسفة) الذي نملكه، في أن نكون مع، أو ضد، أي خطاب أو تصور إلا أن ذلك لايجب أن يكون بطرقة جزافية مفتعلة ولا بطريقة مسهبة.
النص الموضوع
القولة-السؤال
السؤال المفتوح
فسنحاول فيما يلي إعطاء تصور عام حول كل طريقة على حدة :
* منهجية مقاربة النص
يجب اعتبار النص المادة التي سينصب عليها التفكير، لذا تجب قراءته قراءة متأنية للتمكن من وضعه (النص) في سياق موضوعات المقرر؛ وبالتالي اكتشاف أطروحة المؤلف وموقعتها داخل الإشكاليات المثارة حول قضية أو إشكاية أو مفهوم... ويجدر بنا أن نشير، في هذا المقام، إلى أن منهجية المقاربة يحددها السؤال المذيل للنص، علما بأن النصوص عادة ما تطرح في السنة النهائية للتحليل والمناقشة بالنسبة لجميع الشعب. وعليه، نرى أن منهجية مقاربة النص لا تخرج من حيث الشكل على أية كتابة إنشائية (مقدمة ـ عرض ـ خاتمة)، إلا أن لمقاربة النص الفلسفي خصوصيات تحددها طبيعة مادة الفلسفة نفسها. وسنعمل في التالي على بسط هذه منهجية هذه المقاربة على ضوء تلك الخصوصيات.
1) طبيعة المقدمة :
إن المقدمة تعتبر مدخلا للموضوع، لذا يجب أن تخلو من كل إجابة صريحة عن المطلوب، حيث يفترض ألا توحي بمضامين العرض، لأنها بهذا الشكل تمنع من استكشاف ما هو آت، وخصوصا لأن المقدمة ستكتسي شكل إجابة متسرعة.
كما أن المقدمة تعبير صريح عن قدرات وكفايات عقلية، يمكن حصرها في الفهم (الأمر يتعلق هنا بفهم النص وفهم السؤال)، وبناء الإشكالية. وعليه، يجب أن تشتمل (=المقدمة) على ثلاث لحظات أساسية يتم فيها الانتقال من العام إلى الخاص : أي من لحظة تقديم عام هدفه محاصرة الإشكالية (cerner la problématique ) التي يتموقع داخل النص، تليها لحظة التأطير الإشكالي للنص، وبالتالي موقعته (=النص) داخل الإطار الإشكالي الذي يتحدد داخله، ثم الانتهاء بلحظة ثالثة تتمثل في طرح الإشكالية من خلال تساؤلات يمكن اعتبارها تلميحا للخطوات التوجيهية التي ستقود العرض.
علما بأن طرح الإشكالية ليس مجرد صيغة تساؤلية، وإنما هو طرح للتساؤلات الضرورية والمناسبة، والتي يمكن اعتبار الكتابة اللاحقة إجابة عنها. هكذا يمكن الاقتصار (أحيانا) على تساؤلين أساسيين : تساؤل تحليلي(يوجه التحليل)، وتساؤل نقدي تقويمي (يوجه المناقشة)، علما بأن هناك أسئلة أخرى يمكن اعتبارها ضمنية نهتدي بها داخل فترات من العرض، حفاظا على الطابع الإشكالي للمقدمة.
إن المقدمة – إذن - ليست استباقا للتحليل، ذلك ما يحتم الحفاظ على طابعها الإشكالي، ومن خلال ذلك الحفاظ على خصوصية مرحلة التحليل التي يفترض أن تكون لحظة تأمل في النص، من أجل الوقوف على الطرح المعروض داخله وإبراز خصوصياته ومكوناته.
2) طبيعة العرض :
يمكن اعتبار العرض إجابة مباشرة على الإشكالية، ومن ثمة فإن العرض يتضمن لحظتين كتابيتين أساسيتين، هما لحظتا التحليل والمناقشة.
2-1 لحظة التحليل :
إن هذه المرحلة من المقاربة عبارة عن قراءة للنص من الداخل لاستكشاف مضامينه وخباياه، وبالتالي تفكيك بنيته المنطقية وتماسكه الداخليين، كأننا نحاول أن نتأمل عقلية المؤلف لفهم الأسباب التي جعلته يتبنى الطرح الذي تبناه، ويفكر بالطريقة التي فكر بها. ومن ثمة، لابد من توجيه التحليل بالأسئلة الضمنية التالية: ماذا يصنع المؤلف في هذا النص، أو ماذا يقول؟ كيف توصل إلى ذلك؟ ما هي الحجاج التي وظفها للتوصل إلى ما توصل إليه؟
فالسؤال الضمني الأول يحتم إبراز الموقف النهائي للمؤلف من الإشكالية التي عالجه و/أو إبراز طبيعة أهمية الإشكالية التي أثارها... والسؤال الضمني الثاني يدفع إلى التدرج الفكري مع المؤلف، والسير معه في أهم اللحظات الفكرية التي وجهت تفكيره. أما السؤال الضمني الأخير هو سؤال يستهدف الوقوف عند البنية الحجاجية التي تبناها المؤلف، وبالتالي الوقوف عند الحجاج الضمنية والصريحة التي وظفها لدعم أطروحته، وتحديد خصوصيتها، وطبيعتها...
فالتحليل – إذن - هو لحظة تأمل في المضامين الفكرية للنص وهو في الآن ذاته لحظة الكشف عن المنطق الذي من خلاله بنى المؤلف تصوره.
2ـ2 لحظة المناقشة :
إن المناقشة لحظة فكرية تمكن من توظيف المكتسب المعرفي، بشكل يتلاءم مع الموضوع وبطريقة مناسبة...
يجب التأكيد، في هذا المقام، على أن المعلومات المكتسبة تؤدي دورا وظيفيا ومن ثم يجب تفادي السرد والإستظهار... وبعبارة أخرى، علينا أن نستغل المعلومات الضرورية بالشكل المناسب، بحيث يصبح مضمون النص هو الذي يتحكم في المعارف وليس العكس. هكذا سنتمكن من اعتبار المناقشة شكلا من أشكال القراءة النقدية لأطروحة النص، التي تكتسي غالبا صورة نقد داخلي و/أو خارجي تتم فيه مقارنة التصور الذي يتبناه النص بأطروحات تؤيده وأخرى تعارضه، وذلك من خلال توظيف سجالي نحرص من خلاله على أن نبرز مواطن التأييد أو المعارضة.
3) طبيعة الخاتمة :
يجب أن تكون الخاتمة استنتاجا تركيبا مستلهما من العرض، أي استنتاجا يمكن من إبداء رأي شخصي من موقف المؤلف مبرر(إن اقتضى الحال) دون إسهاب أو تطويل. فمن الأهداف الأساسية التي يتوخاها تعلم الفلسفة تعلم النقد والإيمان بالاختلاف.
منهجية مقاربة السؤال المفتوح:
إن التوجيهات الصادرة في هذا الشأن، ا تؤكد على تصور منهجي مضبوط لمقاربة السؤال المفتوح، وهذا أمر يفسح المجال لكثير من التضاربات والتأويلات. ونعتقد أن طريقة السؤال المفتوح هي - بالعكس - من الطرق، الأكثر استعمالا لتقييم التلاميذ مقارنة مع طريقة القولة-السؤال. حيث أن الملاحظة الموضوعية تبين أن المواضيع المقترحة – في فرنسا نموذجا – تكاد تنحصر في نوعين : السؤال المفتوح ومقاربة النص. وحتى تكون منهجية مقاربة السؤال المفتوح، في المتناول سنصحب الخطوات النظرية بنموذج، الهدف منه الاقتراب من الكيفية التي يمكن من خلالها فهم الجانب النظري. من أجل ذلك، نقترح السؤال التالي : " هل يمكن اعتبار الشخصية حتمية اجتماعية ؟ "
يمكن أن نلاحظ أن هذا السؤال قابل لكي نجيب عليه بالنفي أو الإيجاب أو برأي ثالث يتأرجح بينهما...إلخ. صحيح أن الفلسفة تفكير نقدي، إلا أنها، في ذات الوقت، تفكير عقلي منطقي ينبني على المساءلة، والفهم، والتفكير، قبل إصدار الأحكام. وحتى لا يظهر موضوعنا في صورة الأحكام القبلية والجاهزة ؛ لا بد من أن يكتسي صيغة إنشاء، أي بناء فكري متدرج ينطلق من الفهم إلى النقد، مستثمرين الأطروحات الفكرية والفلسفية التي نعرفها.
لنتفحص السؤال المطروح أولا :
يلاحظ ، أننا إذا أزلنا الطابع الاستفهامي للسؤال ( هل] يمكن اعتبار الشخصية حتمية اجتماعية [؟ )، نحصل على العبارة التالية : " يمكن اعتبار الشخصية حتمية اجتماعية ". الأمر الذي يستدعي منا، أولا، توضيح ما معنى أن تكون الشخصية حتمية اجتماعية؟ ! قبل أن ننطلق في مناقشة " هل يمكن اعتبارها حتمية اجتماعية ؟ ". ونعتقد أن تسجيل هذه الملاحظة الأولية سيساعدنا على تمثل الخطوات المنهجية اللاحقة.
1) طبيعة المقدمة
لا يجب، أبدا، أن ننسى أن هدف المقدمة في الفلسفة، هو أن نحول الموضوع، المطروح علينا، إلى قضية إشكالية. وعليه، لابد أن يتحول السؤال ذاته، إلى إشكالية. وذلك بتأطيره، أولا، داخل الموضوعة العامة، ثم داخل الإشكالية الخاصة. كما هو الشأن بالنسبة للنص، أو القولة. لكي تنتهي مقدمتنا، بالتساؤلات الضرورية، المستلهمة من السؤال المطروح علينا ذاته. وحتى يكون كلامنا إجرائيا نعود إلى " سؤالنا ".
للتأطير الإشكالي، للسؤال المقترح، يمكن أن يتخذ تقديمنا العام، صيغا متنوعة. كأن نستغل – مثلا - التنوع الدلالي لمفهوم الشخصية، أو نستغل طبيعة الفلسفة وما تتسم به من خصوصية في دراستها للقضايا المتميزة بطابعها الإشكالي، لنخلص بعد ذلك إلى التأطير الإشكالي للسؤال، بإظهار أن هذا السؤال يحتم علينا مقاربة مفهوم الشخصية خصوصا من حيث إشكالية الشخصية وأنظمة بنائها. لننتهي إلى طرح الإشكالية من خلال صيغة تساؤلية كالآتي : ما معنى أن تكون الشخصية حتمية اجتماعية؟ وإلى أي حد يمكن اعتبارها (أي الشخصية) منتوجا حتميا لمعطيات اجتماعية موضوعية ؟ فلا يجب أن ننسى أن المهم في بناء الإشكالية، ليس هو وضع التساؤلات لذاتها، ولا عددها ؛ وإنما التعبير عن التساؤلات التي سنجيب عنها، والتي لن تؤدي الإجابة عنها إلى الخروج عن الموضوع.
2) طبيعة العرض
ينقسم العرض إلى مرحلتين، وبالتالي لحظتين فكريتين متكاملتين :
مرحلة فهم القضية المطروحة علينا لتقييمها، ويجب في ذلك أن نستغل مكتسبنا المعرفي والأطروحات التي درست. حيث يجب أن تنم كتابتنا عن تأطير فكري للقضية التي سنناقشها. ومن أجل ذلك، يجب أن تبتعد كتابتنا عن العموميات و"الكلام المبتذل" الذي يمكن أن نجده عند "أي كان". إلا أنه، في ذات الوقت يجب أن نتحاشى الطابع السردي، الذي لا ينم إلا عن الحفظ والاستظهار. فنعمل، بالتالي، عن الاستثمار الوظيفي الجيد للمدروس (في الفصل أو خارجه).
وبالنسبة " لسؤالنا " يتعلق الأمر هنا بإظهار تميز الخطاب السوسيوثقافي في التأكيد على الحتمية الاجتماعية للشخصية وأهمية التنشئة الاجتماعية في بنائها (توظيف نماذج من الأطروحات السوسيوثقافية)، مع الحرص على إبراز اقتراب بعض التصورات السيكولوجية من هذا التمثل. حيث، أن المدرسة السلوكية – مثلا – تنفي دور الاستعدادات الفطرية، والمؤهلات الفردية، في بناء الشخصية. كما تتميز المدرسة اللاشعورية، بتنويع مكونات الشخصية، إلى جانب فطري (الهو) وآخر ثقافي (الأنا والأنا الأعلى) والتأكيد على توجيه الجانب الثقافي للفطري. مما يؤكد التفاف العلوم الإنسانية (باستثناء المدرسة الشعورية) حول حتمية الشخصية. ويمكن الإشارة إلى وجود أطروحات فلسفية – قريبة من العلوم الإنسانية - تؤكد على الحتمية الاجتماعية للإنسان (الماركسية مثلا).
ليتم بعد ذلك الانتقال إلى مرحلة البحث عن الأطروحات النقيض، وبالتالي، الاستغلال الوظيفي الجيد للأطروحات، التي ترى رأيا مناقضا لما تم طرحه سابقا بعيدا - كذلك - عن الحشو والسرد والاستظهار...
ويتعلق الأمر بالنسبة " لسؤالنا " بالأطروحات الفكرية التي تتمثل الشخصية، وبالتالي الإنسان، بعيدا عن الإكاراهات الاجتماعية المباشرة، أو النفسية، الناجمة عن تلك الإكراهات. ويتعلق الأمر - في هذا الصدد - بالخطاب الفلسفي الذي يربط الشخصية بالوعي (كانط وديكارت مثلا)، والخطاب الفلسفي، الذي ينفي عن الإنسان، كل ثبات، فيرى الشخصية في تجدد أصيل، وفي ديمومة (برغسون). أو يرى أن ليس للإنسان ماهية ثابتة، لأن "الإنسان يوجد أولا، ثم يحدد ماهيته بعد ذلك" معبرا عن إرادته وحريته (سارتر).
3) طبيعة الخاتمة
ما ننفك، نؤكد على أن الخاتمة، لابد أن تتوزع إلى استنتاج، ورأي شخصي. فالاستنتاج يجب أن يكون دائما مستلهما من العرض فيعتبر، بالتالي، حصيلة، وملاحظة موضوعية للتنوع الفكري الذي يشوب النظرة إلى القضايا ذات الطبيعة الفلسفية. الأمر الذي يعطي لنا، كذلك، الفرصة لندلي بدلونا في الأمر، ونعطي رأيا في الموضوع. إلا أن هذا الرأي، لابد أن يكون مبررا باقتضاب، فنوظف - من أجل ذلك - ما نعرفه من أطروحات. وفي كل الأحوال يجب أن نتحاشى الآراء الفضفاضة من قبيل "الأجدر أن نتبنى ما ذهب إليه الخطاب الفلسفي." أو "وفي هذا الموضوع يستحسن أن نتفق مع الخطاب السوسيوثقافي." ...إلخ، لأن هذا، كما يلاحظ، كلام يحتاج إلى بعض التوضيح.
منهجية مقاربة القولة
من الطرق التي تم اختيارها - إذن - لمساءلة المترشحين، لاجتياز امتحان الباكلوريا في مادة الفلسفة، طريقة القولة-السؤال. وفي هذا الإطار، وجب التنبيه إلى بعض الصعوبات، التي يمكن أن نجدها في مقاربة القولة، والتي يمكن أن نحصر أهمها فيما يلي :
• تعودنا على طريقة مقاربة النص طيلة الدورة الأولى، مما يؤدي إلى تعميم هذه المقاربة على القولة la citation.
• حجم القولة (الصغير) الذي لا يساعدنا كثيراعلى إدراك مضمون القولة بسرعة.
• فهم السؤال المذيل للقولة، وبالتالي موقعته بشكل من الأشكال داخل المكتسب المعرفي السابق.
ولتخطي هذه الصعوبات، وغيرها، لابد أن ندرك، أولا وقبل أي شيء، أن السؤال المذيل للقولة سؤال يتألف من مطلبين : مطلب يفترض فيه، أن يدفع بنا نحو الكشف عن الأطروحة المتضمنة في القولة، وبالتالي استخراجها. ثم مطلب يدفع بنا نحو مناقشة القولة، وبالتالي تقييم الأطروحة المفترض أن تتضمنها القولة. وسنحاول، فيما يلي، تقديم تصور نظري حول الخطوات المنهجية المتوقعة من مقاربة القولة.
1. طبيعة المقدمة
إن من خصوصيات الفلسفة، أنها لاتدرس إلا القضايا ذات الطبيعة الإشكالية. ومن ثمة، لا بد أن نعمل - في مستوى المقدمة - على تحويل القولة إلى قضية إشكالية. وذلك ما يجعل طريقة التقديم، في مقاربة القولة، قريبة من طريقة التقديم في مقاربة النص. ويستحسن، في صياغة الإشكالية، أن تتنوع الأسئلة إلى نوعين أسئلة ذات طبيعة ماهوية، وأسئلة ذات طبيعة نقدية تقويمية. بما أن المطلوب منا، أولا، هو استخراج أطروحة القولة، فالسؤال الماهوي، يتيح إمكانية التعمق في القولة و"الغوص" داخلها، بدل أن نحوم حولها. أما الأسئلة ذات الطبيعة النقدية، فهي توفر مناسبة للابتعاد النسبي عن القولة، وبالتالي إبراز قيمتها الفلسفية والفكرية على ضوء معطيات قبلية، وبالتالي أطروحات اكتسبناها سابقا.
2. طبيعة العرض
يتنوع العرض إلى لحظتين فكريتين مسترسلتين : لحظة القراءة ولحظة التقييم (أو النقد).
1.2 لحظة القراءة :
وهي لحظة مكاشفة القولة، وبالتالي اللحظة الفكرية التي يجب أن نلزم فيها القولة على التفتق للبوح بأطروحتها أو الخطاب الذي تحمله، أو التصور الذي تعرضه .. أو هذه الأمور كلها مجتمعة. وهذه القراءة تتنوع بدورها إلى قراءتين : سنصطلح على تسميتهما تباعا بالمقاربة المفاهيمية، و المقاربة الفكرية. ثم تليهما مباشرة لحظة الاعلان عن الأطروحة المتضمنة في القولة.
1.1.2 المقاربة المفاهيمية :
وهي لحظة وقوف عند المفاهيم الأساسية، للقولة التي يمكن اعتبارها مفاتيح ضرورية للكشف عن أطروحة القولة. إلا أنه يجب الحرص على أن تبتعد القراءة في المفاهيم، عن الشرح اللغوي والخطاب العمومي المبتذل، وأن تحاول الرقي إلى مستوى التنظير الفلسفي. خصوصا وأن المفترض، أنه يتم التعود على هذه المقاربة، أثناء توظيف النصوص داخل الفصل. علاوة على أن هذه مقاربة، يجب أن نتعود عليها في السنة الثانية أدب، على اعتبار أن أحد الأسئلة المذيلة لنصوص الاختبار، قد يحتم علينا ذلك. (بدل شرح "عبارة"، يمكن أن يطلب من تلاميذ السنة الثانية شرح مفهوم أو مفاهيم من النص...)
2.1.2 المقاربة الفكرية :
وهي اللحظة الفكرية، التي يجب أن نحول فيها القولة، إلى "مقولات" فكرية وبالتالي "أطر" نستطيع أن نوسعها فكريا وفلسفيا، حتى نجعلها تأخذ طابع الخصوصية. وبذلك نحول خطاب القولة "المقضب" إلى خطاب رحب، باعتباره، يحمل في مكنوناته أبعادا فكرية، وفلسفية، لايستطيع أن يكتشفها إلا من كلف نفسه عناء التأمل، والتفكر، والتدبر.
بعد ذلك، نستطيع الكشف عن أطروحة القولة، في صورة استنتاج، يظهر أن هذه اللحظة كانت ثمرة للمجهود الفكري الذي قمنا به أثناء القراءة السابقة.
2.2 لحظة التقييم
بما أننا - الآن - نعرف الأطروحة التي كانت القولة تخفيها في طياتها ؛ فإن ما يتوجب القيام به مباشرة - بعد ذلك - هو الانفتاح على المكتسب المعرفي السابق، وبالتالي البحث عن الأطروحات التي تسير في توجه القولة. ونحن نعتبر أن هذه المرحلة ليست تقييما، أو نقدا مطلقا، لأن في ذلك نوع من الإتمام للمرحلة السابقة. فالأطروحات التي سنأتي بها كنماذج، لا تأتي لتزكي طرح القولة فحسب، وإنما لتزكي كذلك القراءة التي قمنا بها، وتبين لماذا حددنا أطروحة القولة في موقف دون آخر، أو لماذا تندرج في خطاب فكري معين دون الخطابات الأخرى ...إلخ
لتأتي بعد ذلك لحظة التقييم الحاسم، والتي تتجلى في البحث عن النقيض، واالمعارض (l'antithèse ) في المكتسب المعرفي، واستثماره، بشكل يظهر بأن الموقف الذي تتبناه القولة ليس بالموقف النهائي.
3) طبيعة الخاتمة
كثيرا ما يتم الاستخفاف بالخاتمة ونحن نعتبرها لحظة حاسمة من لحظات الموضوع . فهي لحظة تفكر فيما سبق ولحظة تعبير عن الذات. لذا نعتبر الخاتمةاستنتاجا منبثقا من اللحظات الفكرية السابقة، وبالتالي تعبير عن رأينا الشخصي من موقف القولة. رأي ينطلق من الحق الأسمى (الذي لا يتناقض مع روح الفلسفة) الذي نملكه، في أن نكون مع، أو ضد، أي خطاب أو تصور إلا أن ذلك لايجب أن يكون بطرقة جزافية مفتعلة ولا بطريقة مسهبة.
مواضيع مماثلة
» منهجية الكتابة في مادة الفلسفة
» منهجية تحليل نص شعري
» منهجية الإنشاء الفلسفي
» منهجية تحليل النص الشعري
» منهجية تحليل قصيدة سؤال الذات
» منهجية تحليل نص شعري
» منهجية الإنشاء الفلسفي
» منهجية تحليل النص الشعري
» منهجية تحليل قصيدة سؤال الذات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى